يعرف العراق مرحلة حسّاسة وربّما مصيريّة من تاريخه، حيث تراكم قضايا الإرهاب والتّطرّف، وتنظيم استفتاء حول الاستقلال في إقليم كردستان، والشّعور بالتّهميش الّذي يعانيه قدر لا يستهان به من العراقيّين وكذلك التجاذبات البرلمانيّة والدّور الّذي تطمح إليه بعض الميليشيات وكذلك الدور البارز الّذي يطمح إليه العديد من القادة السّياسيّين والحزبيّين في البلاد كلّها أمور تضع نقطة استفهام حول ما سيؤول إليه العراق فعلاً في الأشهر والسّنوات القليلة القادمة.
وللتّأكّد من صحّة فهمنا واستيعابنا لحقيقة ما يعيشه العراق حاليّاً قمنا بحوار مع الصّحفي علي البيدر الّذي يعدّ من أبرز المتابعين للشّأن العراقي، ولكم هنا نصّ اللقاء.
س1- هناك تفاؤل كبير من قبل العديد من المراقبين للشأن العراقي والذين يرون ويؤكّدون أنّ هزيمة داعش في العراق باتت على الأبواب، ما تقييمكم لواقع الأمور؟
ج 1 – اذا ما قارنّا حزيران 2014 مع حزيران 2017 ومن ثم مع شهر ايلول من نفس العام نجد أن هناك فرقا شاسعا في جميع المعايير الخاصة بوجود داعش على الارض وامكانيّات التنظيم الفعلية واللوجستية إضافة الى المسألة المتعلّقة بوضع أفراده النفسيّ. فبعد ان كان داعش يقلق العاصمة بغداد ويجول اعضائه بحرّية في احيائها اصبح التنظيم يتقهقر في جميع مراكزه سيما معقله الرئيسي في نينوى التي فقد السيطرة على اي شبر منها ومن المحافظة عموماً، ناهيك عن مركز قيادته الهامة والمتواجد في الموصل . امّا اليوم تعيش القوات الامنيّة العراقيّة حالة من النشوة فهي تقترب من حسم ملف مدينة الحويجة وبعض مناطق صلاح الدين سيما في الساحل من الشرقاط اضافة إلى وضعه اللمسات النهائية لتحرير مدن الانبار الثلاث (عنه و راوه والقائم) وحينئذ سيتم التخلّص من التنظيم والشروع بمراحل جديدة . الآن نستطيع القول إنّ داعش يلفظ انفاسه الاخيرة ويعيش مراحل خلاصه الاخيرة ايضا .
س2- نهاية داعش في العراق هل ستبشّر بنهاية العنف والتّطرّف عموماً في العراق؟ وماذا عن مستقبل أعضاء داعش الباقيّين لا سيّما العراقيّين منهم؟
لا يمكننا ان نجعل العنف مقرونا بداعش فقط فهناك الكثير من ادوات اذكاء العنف ووسائله موجودة على الارض كالقهر الاجتماعي والظلم إضافة الى آفة الفساد التي تعدّ احدى مسببات العنف والارهاب. وقد يقلّ مستوى العنف وبشاعته في مرحلة ما بعد داعش لكنه قد يستمر في اماكن اخرى وبطرق مختلفة تتناسب مع الظروف، فجميع التنظيمات المتطرفة تسعى لخلق بيئة مناسبة لها وحاضنة اجتماعية تعزز قدراتها على الارض. كما ان هناك الكثير من عصابات الجريمة المنظّمة الّتي تمارس عمليّات الخطف والاغتيال بشكل واضح امام عجز مؤسسات الحكومة الامنية التصدي لها وذلك لأسباب عديدة، إضافةً إلى دور المليشيات الكبير في تنامي ظاهرة العنف وإرباك المشهد الامني وهي الاخرى تسير بحرية دون اي رادع لها . وقد يصل الامر في بعض الاحيان إلى عدم استنكار ما تقوم به تلك المليشيات “السائبة” من جرائم بشعة.
وعن مستقبل أعضاء داعش الباقيّين لا سيّما العراقيّين منهم فإنّ مصيرهم القتل او الاعتقال فلا مناص من نيلهم العقوبات التي تتناسب مع حجم جرائمهم.
س3- وماذا عن مستقبل الحشد الشّعبي، هل من رؤية واضحة ام محدّدة حول هذا الموضوع؟
ج- مستقبل الحشد الشعبي في العراق يحدّده الصراع مع داعش الذي وصل الى مراحله النهائية كما يرى مراقبون وانا منهم. إضافة إلى ذلك فيما يخصّ الوضع الامنيّ في البلاد فكلّما تحسّن ذلك الوضع كانت الحاجة إلى وجود هكذا مؤسسة غير مبرّرة. الفصائل المسلحة المنضوية تحت مظلة الحشد تنقسم الى عدة اقسام هي :
أوّلاً: الفصائل الموجودة قبل احداث داعش اي منذ العام 2003،
ثانياً: الفصائل المشكّلة بعد فتوى المرجعية،
ثالثاً: الفصائل المشكّلة من مليشيات ولاءها لإيران سرّاً وجهراً،
رابعاً: الفّصائل المشكّلة من ابناء العشائر السنية،
خامساً وأخيراً: الفّصائل المشكّلة من ابناء الاقليات (المسيحيّون، الشّبك، اليزيديّون).
إنّ التّعامل مع هكذا مجموعات يحتاج الى طرق واساليب عديدة تحدّدها الظّروف العامّة فالحكومة العراقية الحاليّة تقبع في موقف لا يحسد عليه تجاه هذه القضيّة الشّائكة إذ أنّ الفّصائل الموجودة منذ عام 2003 وربّما ابعد من ذلك لن تخضع لأيّ قرار من شأنه أن يكبح جماحها فهي لم تخضع لقرار سابق خاص بدمج المليشيات في المؤسّسات الأمنيّة إذ ابقت جزءاً كبيراً من عناصرها خارج إطار مؤسّسات الدّولة وهذا ما اتّضح بعد مرحلة داعش حيث برزت العديد من المسميات على الارض معلنة عن نفسها ومتبجّحة بنشاطها المخالف لتعليمات قرار دمج المليشيات. امّا بخصوص الفصائل التي تشكلت بفتوى المرجعية فهي الاقرب الى تنفيذ ما توجّهه المرجعية الدّينية وهنا لا يمكن ضمان موقف المرجعيّة إذا ما طلب منها الايعاز بأن تحلّ نفسها أو تنخرط في مؤسسات الدولة، ذلك باستثناء تلك المقلّدة للزعيم الديني الوطني (مقتدى الصدر) والّتي تمتثّل لأوامره التي تدعو إلى تحجيم دور كلّ ما هو خارج عن القانون. وتأتي هنا العقبة الابرز في هذا الشّأن وهي تلك الخاصّة بالفّصائل الموالية لإيران والتي تأخذ منها تعليماتها مباشرة إضافة الى تلقّيها كافّة اشكال الدّعم وهذا ما سيجعل قرار حلّها أو دمجها متوقّفاً على موقف ايران من الوضع العراقي وهو موقف صعب سيما مع التّصعيد الدّولي القائم تجاه القضية الايرانية. امّا تلك الفصائل المشكّلة من ابناء العشائر السنية فهي تمتلك قضيّتين لا ثالث لهما تتمثل الاولى بمحاربة داعش واستعادة المناطق السنّية وهذا ما تحقّق في مساحات شاسعة من البلاد. قضيّة أخرى مهمّة هي انخراط عناصرها بحثا عن لقمة عيش بعد انهيار مؤسسات الدولة ومنها الأمنيّة في المناطق السنّيّة ليجد أبناءها انفسهم على قارعة الطريق وفي وضع صعب دفعهم للبحث عن وسيلة تسد رمقهم وبالتالي لم يجدوا كوسيلة لتحقيق غاياتهم غير الانضمام للفّصائل المشكّلة. وبخصوص الفصائل المسلحة التي تتّبع اقليّات عرقيّة واثنيّة كالمسيحيّين واليزيديّين والشبك فإنّ موقفهم من حلّ تلك الفصائل او دمجها مرهون باستعادتهم لحقوقهم وتعويضهم لجميع خسائرهم في مرحلة داعش إضافةً الى سعي البعض منهم للتربح على حساب الصراع القائم وهذا ما يحتاج الى جهد ووقت كبيرين اضافة الى موارد هائلة. إنّ العقبات التي تواجه الحكومة العراقية في هذا الصدد كبيرة جدا فالتركة التي خلفتها مرحلة الصراع ثقيلة وهذا ما يتطلب وقوف الجهد الدولي مع العراق في ازمته هذه مخافة من تفاقمها. إنّ الحلّ الامثل لهذه المسالة يتمثل كما ارى بسنّ قانون يلزم جميع الفصائل المسلحة الخارجة عن القانون بالانخراط في رحم المؤسسات الامنية او إعلان حلّ نفسها كي يتمكّن النّظام من اخذ مجراه اولا ومن ثمّ محاسبة المخالفين للقانون. و على الحكومة التّعامل مع الموقف المقبل بحكمة وحزمة فلا يمكنها الانفراد بإحداهما كي لا تتأزم الامور اكثر ونذهب لصراع جديد لا تحمد نتائجه.
س4- المعضلة الأخرى وربّما القابلة للتّفجّر عاجلاَ ام آجلاَ هي تلك المتعلّقة بالمسألة الكرديّة، كيف ترون آفاق المستقبل القريب حول هذه المسألة خصوصاً الآن وقد أقيم استفتاء حول مستقبل الإقليم؟
ج- المتتبّع للشّأن العراقيّ منذ عام 2003 سيما جميع المواقف المعلنة من القضية الكردية يجد هناك تعرّجات واضحة في الموقف من تلك القضيّة، فعند حاجة البعض لاستمالة الكرد نحو مسالة ما، تجده يجاملهم تجاه قضيتهم ويمنحهم ضمانات تطمينيّة سرعان ما تتلاشى بعد حصولهم على ما يريدون وبعدها يتم القفز على تلك الضّمانات وانكارها وهذا ما تم في عدّة اتّفاقات ابرمت مع الطرف الكردي آخرها كان اتّفاق اربيل الخاص بتشكيل حكومة المالكي الثانية العام 2010 حيث يتّهم الجانب الكردي الموقّعين على تلك الوثيقة بحنثهم بالعهد وعدم تنفيذ اي من البرامج المتفق عليها في تلك الاتفاقية. إنّ المسألة الابرز في قضية الكرد هي مسألة تجميد الازمات القائمة من قبل ذوي الشّأن وبطريقة متعمّدة وترحيلها الى مراحل زمنية مقبلة دون إيجاد حلول ناجعة وهذا ما حصل في المادة 140 من الدستور العراقي حيث لم يتمّ تطبيق ايّ من نصوص تلك المادّة على الارض حتى انتهاء فترتها الزمنية عند الحادي والثلاثين من شهر كانون الاول سنة 2007.
المسالة الكردية بطبيعتها هي مسألة اقليمية إن لم نقل دوليّة تهمّ مجموعة دول محورها العراق اضافة الى تركيا وسوريا وايران وهذا ما يتطلب شبه اجماع على المواقف المتخذة إزاء هذه القضية، كما أنّ تمسّك الإقليم بمناطق يراها المركز اراض تابعة له هذا ما فاقم الازمة منذ عام 2003 وتسبّب في حدوث شرخ كبير آخره تصويت اقليم كردستان على إجراء الاستفتاء الخاص بإعلان الاستقلال عن العراق في الخامس والعشرين من ايلول من هذا العام وهو موقف شنّج الاجواء بين المركز والاقليم واسهم في إطلاق تهديدات تنذر بحدوث صراع داخليّ ستكون نتيجته الخسارة لجميع اطرافه. وعن المستقبل القريب لهذه القضية فيمكننا انتظار ما ستؤول اليه المرحلة القائمة الآن وقد أقيم الاستفتاء جمعاً مع مرحلة انتهاء الحرب مع داعش في العراق وفي المنطقة. في حال احتكمت اطراف الازمة الى ترجيح الدبلوماسية في حلّ تلك المسالة فيمكننا انهاء هذا الملف بالتراضي وخروج الجميع منتصر.
س5- وماذا عن التّدخّل الخارجي سواءَ كان من قبل إيران أو الولايات المتّحدة او روسيا أو غيرها من الأطراف الخارجيّة؟ هل ترون انّها ستتمسّك بالبقاء في العراق ام انّها تسير نحو آفاق أخرى؟
ج – هناك اتّفاقيّة امنيّة وقّعها العراق مع الولايات المتحدة الاميركية في عام 2008 حيث ينصّ احدى بنود هذه الاتفاقية على قضيّة (نشوء أي خطر خارجي أو داخلي ضد العراق أو وقوع عدوان ما عليه من شأنه انتهاك سيادته أو استقلاله السياسي أو وحدة أراضيه أو مياهه أو أجوائه أو تهديد نظامه الديمقراطي أو مؤسساته المنتخبة ) وهذا يتيح للولايات المتحدة الأميركية حينئذٍ إمكانيّة ان تتّخذ جميع الاجراءات التي تعتقد انّها مناسبة والتي تشمل الدبلوماسية منها اضافة الى الاقتصادية أو العسكرية اذا ما تطلب الامر أو حتّى أي اجراء اخر للتعامل مع مثل هذا التهديد. ووفق هذه الاتّفاقية والمعطيات فإنّها تحاول انهاء نفوذ ايران في البلاد فيما تسعى الاخيرة لبسط نفوذها كما تحاول روسيا ايجاد موطأ قدم لها ايضا في هذه الازمة للحفاظ على ماء وجهها اوّلاً وسمعة وتاريخ الاتحاد السوفيتي ثانياً. فعمل السنوات السابقة لإيران لا يمكن تركه هباء منثورا تحصد نتائجه الخصوم. لقد عززت من ادوات نفوذها في السيطرة على المشهد العراقي على كافة المستويات سيّما عسكرياً عبر زرع مليشيات تدين بالولاء المطلق لها، إضافةً الى سيطرتها مذهبيّاً على الشارع العراقي الشيعي اذ تستطيع تحريكه وفق أيدولوجياتها المرتكزة على حماية المذهب الشيعي وتصدير ثورة الخميني .
إنّ التّدخّل في الشّأن العراقي سيستمر بحسب ما تبحث فيه هذه الدول عن مصالحها: ايران مصرّة على ابقاء العراق خط التماس بينها وبين الدول العظمى، اوروبا لا تفكّر إلّا بكون العراق الممرّ الامثل للغاز الطبيعي القادم عبر ايران من ديالى وصولا الى سوريا ومنها الى البحر المتوسط، روسيا تستخدم ايران والنّظام في سوريا لمناهضة المشاريع الاميركية في المنطقة بمنطق اثبات الوجود لا بمبدأ براگماتي او لهدف جيوسياسي. يشجّع على ذلك واقع العراق السياسي بعد ٢٠٠٣ بوجود طبقة سياسية حاكمة مازالت تسيطر عليها افكار المعارضة وادعاء المظلومية وتكريس تبعية حتميّة لإيران، هذا بمعزل عن التوجه ( الشعبي ) العربي السني الذي يحاول ان يجد له منقذاً عربيّاً في ظل وجود افكار محددة وثابتة كردية لا تتغير بسهولة بسبب نضج التجربة السياسية الكردية وكونها نوعاً ما مرسومة بطريقة افضل تجتمع فيها العوامل الاقتصادية والانفتاح على جميع الافكار مع ضمان بقي الرأي الكردي موحّداً في جميع القضايا المصيرية. العراق لم يعد عراقاً واحداً وعلى الجميع ان يعلم انه ثلاث دويلات مقسّمة بحسب نفوذها وقوّتها بين شيعة وكرد وسنة من الاقوى الى الاضعف وهذا ما يترتب على توحيد المواقف اضافة الى كمية الدعم الخارجي التي تتلقاه تلك الدويلات ان صح القول.
س6- ما هو تقييمكم لطبيعة النّسيج العراقي اليوم ومستقبله الوارد؟ تماسك أم تفكّك؟ وفي ايّ اتّجاه؟
ج٦- النسيج العراقي هو كلمة شعاراتية اكثر من كونها كلمة حقيقية، او بالأحرى باتت تبنى على اساس عرقي او مذهبي لذا فالكلام عن نسيج عراقي اصبح ضرباً من الخيال، فالشقاق وصل بالعراقيين (البسطاء) لمحاولة ايجاد فئوية جديدة تحت اي مسمى لتشكيل اي رأي عام ضاغط مهّد لذلك وفرة الاحزاب والحركات السياسية ومنظّمات المجتمع المدنيّ بل وحتّى هنالك من بدأ يحاول لملمة نسيج عائلي قد لا يمتدّ لأكثر من جيلين يوفّر له الحماية من مجتمع تشتّت. يمكننا قول إن المواطنة انتهت وما تبقى فقط الانتماء الفئوي الضيق، والسّبب في ذلك يعود الى انهيار جميع المنظومات القيمية والاخلاقية. فالفاسدون يتصدّرون المشهد وقد اصبحوا يكوّنون المثل العليا للناس الذين باتوا يعتبرون الفساد الجالب للمال والسلطة مغنمه او حظوة، كما أنّ الّذين لا يبحثون عن هذه الامور يعانون الامرّين ويبقون بمثابة نكرات لا قيمة لهم ولا حتى لحياتهم. المنظومة الدّينية كالأوقاف قمّة الفّساد لذا فقد رجل الدين هيبته التي افقدت حتى الدين هيبته. المنظومة العسكرية التي كانت تجمع العراقيين ايضاً باتت مكرّسة لخدمة جهوية وتشيّعت الى حدّ ما، وامور اخرى كثيرة مؤلمة حقا. كل ما ذكرت كان واقع الحال لا اكثر، لكن يبقى ايماننا المطلق بالمقبل من الايّام التي قد تبشّر بخير بسيط لكنه كفيل بإعادة الامل الى المجتمع العراقي سيّما بعد مرحلة داعش التي فرّقت العراقيين في بدايتها واحدثت شرخاً عميقاً على مستوى الافراد والجماعات وحفرت عميقا في الاماكن التي لوّثها التنظيم في بادئ الامر، لكن بعد انكشاف اوراق اللعبة اصبح العراقيون اكثر تماسكا ولحمة فيما بينهم واتّضح لهم ان لا سبيل للتّقدّم سوى عبر مجتمع متماسك يعترف بالآخر بغض النظر عن طائفته.
س7- واخيراَ ما هي نصيحة المواطن العراقي الوطني المتمسّك ببلاده والّذي أنتم نموذج عنه لأخوته في العراق؟
تعزيز روح المواطنة والغاء التهميش والاقصاء الذي انتجته الحقبة السابقة وعدم الانجرار خلف تصريحات السّياسيّين وماكناتهم الاعلامية قد يسهم في اعادة البنيان العراقي الى سابق عهده فضلاً عن تشكيل لوحة جديدة بعيدة تعبّر عن جوهر الوطنية الحقيقية. السّياسيّون في العراق هم احدى الاسباب الرئيسة للطائفية في البلاد فمع اقتراب موعد غنيمتهم الكبرى (الانتخابات) يبدأون بالعزف على الوتر الطائفي وتخويف الآخر من الآخر ورسم نماذج افتراضية لأعداء لدودين يصبحون اصدقاء مقربين مع توافق المصالح المشتركة بعد انتهاء لعبة الانتخابات المربحة. الوسيلة الوحيدة المنجية للخلاص من جميع تراكمات الحقبة الماضية والحالية تكمن في رفع الهويّة الوطنيّة عالياً مع اخفاء الهويات الفرعيّة التي تدعو الى كل ما يتسبّب في الحاق الضرر بالمصلحة الوطنية العليا، فجميع الركام الذي نشاهده في البلاد اليوم كان سببه الاختباء خلف هويّات فرعيّة تتلاشى مع اوّل ضربة موجعة تمس فئة ما. الباحثون عن تمزيق اللحمة الوطنية العراقية لا يستطيعون فعل اي شيء حال توحدنا لكنهم يستطيعون فعل الكثير عندما نكون فئات مبعثرة مقسمة الى قوميات يمثلها ( العرب والكرد والتركمان والكلدواشوريّين والشبك) واديان يمثلها (الاسلام والمسيحيون والايزيديون والصّابئة) إضافةً الى مذاهب دينية أو قناعات أخرى.