طرابلس… جدار يتحطم أم مرحلة إنهاء الخلاف الليبي؟ محمد الصّريط

 

مرّة أخرى، دخلت ليبيا مرحلة حرجة من تاريخها المعاصر، فالحرب وصلت لتخوم العاصمة السياسية “طرابلس” التي يقطنها مايقارب عن 2 ونصف مليون نسمة، وهو مؤشّر على اندلاع حرب من الواضح أنّ نتائجها ستكون طويلة الأمد.

إلّا أنّ مؤيّدي هذا الحراك العسكري، الذي بدأه المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي المعترف به من قبل البرلمان بشرق البلاد، يرون أن الوقت مناسب لوضع حدّ لتمادي وتوغل ما يطلقون عليه تسمية “المجموعات المسلّحة” والّتي كما يردّدون تسيطر على العاصمة طرابلس وهو مبرّرهم في الحرب.

ويرى نوري بوسهمين، رئيس المؤتمر الوطني العام السابق، أنّ “انطلاقة حفتر بأعماله العدوانية بدأت منذ 14 فبراير 2014 حين أعلن انقلابه على الشرعية وكان الهدف منه هو الانفراد بالسلطة”، مضيفاً: “إنّنا في المؤتمر وفي الاعوام السابقة اصدرنا قراراً بإيقاف “حفتر” من قبل المدعي العسكري بسبب العديد من الانتهاكات التي قام بها”. كما يذكّر بوسهمين أنّ فائز السّرّاج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني امر بالقبض على حفتر بمذكرة مماثلة.

ويقول الباحث فرج بوخاطرة من شرق ليبيا إنّ “الجيش الّذي تقدّم نحو طرابلس لم يكن جيشاً جهويّاً أو اقلميميّاً أو ايدولوجيّاً بل هو جيش ليبي مكون من جميع فئات وشرائح ليبيا”. ويؤكّد ايضاً أنّ الحملة العسكريّة التي يقوم بها الجيش في غرب البلاد يقودها ضبّاط من المنطقة الغربية بعد ان لبّوا نداء سكان العاصمة لتخليصهم من جبروت المليشيات المسلحة.

ويوضح بوخاطرة أنّ الجيش ظلّ لفترات طويلة يلتزم الصمت ويعطي الكثير من الوقت للسياسيين لوضع حلّ جذريّ ونهائيّ لخلافاتهم، ولكن دون جدوى، علماً بأنّه – أي الجيش – لا يستطيع أن يقف مكتوف الآيدي أمام هذا العبث.

بينما يتحدث المستشار السياسي الاسبق لخليفة حفتر محمد بويصير قائلاً إنّ رغبات “حفتر” في الوصول للسلطة بأي ثمن جعلته لا يفكر في المآسي الّتي قد تحدث من جراء الحرب ومنها أولئك الّذين تمّ اسرهم في غرب ليبيا على ايدي قوات حكومة الوفاق والذين يعدّوا بالمئات. كما يقول بويصير إنّه “ليس هكذا يفكّر المارشالات فهم عادة حريصون على جنودهم ولا يعتبرونهم قبوراً تكون طريقاً إلى الحكم”.

ويوجه بويصير كلامه للمشير خليفة حفتر بقوله: “إذا كنت لا تستطيع التخطيط ولا قيادة المعارك فأنت لست بمارشال ولا حتّى جنرال، بل وأنّ هناك ضابط أمريكي متقاعد (عرفك ) فى فرجينيا، سمعته يقول عنك أنّك “في الحقيقة لا تحمل من المعرفة العسكرية  اكثر من مستوى سارجنت        ( شاويش) في المارينز”.

ويتابع بويصير قائلاً: “ومن ثمّ اسحب الشباب واحقن دماءهم ودعهم يعودون لأهلهم ومدنهم وضع أحلامك جانبا، فأنت لن تفكّ عقدة عمرك بأن تجلس على عرش القذّافي ولن تحكم الليبيين لا اليوم ولا غداً ولا فى أي وقت”.

إلّا أن المستشار السابق الفيدرالي نعيم النعّاس يقول: ” قد يكون وقت الهجوم على المجموعات المسلحة مفاجئاً ولكن هذا منظور عسكري لا يحق لأي أحد أن يناقشه إلا بسماع وجهات النّظر المتعددة”. ويعتقد النعّاس أن توغّل هذه المجموعات ومساهمتها في عدم الاستقرار اصبحت تشكّل خطراً كبيراً على الأمن القومي والوطني بصفة عامة كونها امتهنت تجارة الرق والمخدرات والبنزين وغيرها من جرائم الحرب مستغلّة بذلك ضعف الأجهزة الامنية والشرطية، وكوّنت امبراطوريّات ضخمة من أموال الليبيين وتريد ان تنفرد بالنفوذ والقوة.

ويقول الكاتب اسامة الجارد من مدينة البيضاء منتقداً العمليّة العسكريّة: “يتمّ تجنيد الشبّان من صغار السن بالمنطقة الشرقية للعمل كمقاتلين في صفوف قوات خليفة حفتر تحت ستار تخريج دفعات للقوات المسلحة”.

ويضيف الجارد أنّ “المتابع لمراكز التجنيد هذه يستغرب من السرعة في التجنيد والتخريج لأنّ همّهم ليس بناء جيش بقدر ما هو البحث عن مقاتلين في صفوفه”.

ويوضح أن مثل هؤلاء الاطفال غالباً ونتيجة انخراطهم في القتال يضطرّون لمشاهدة وارتكاب أعمال العنف ويتعرّضون للإصابة او الاسر و للعواقب الجسدية والنفسية القاسية.

إلّا أن الدّكتور صلاح القطراني من اجدابيا في شرق ليبيا يقول إنّ تواجد مليشيات مسلّحة تتحكم في مصائر الليبيين داخل العاصمة اعطى صورة سلبية على ليبيا، مضيفاً: ًلا ننسى المعارك التي كانت تحدث من حين لحين بين هذه المجموعات بسبب استحواذ مجموعة دون الاخرى على نفوذ مالي وسياسي كبير مما جعلها تتقاتل فيما بينها، والآن وبعد أن عزم الجيش على اتخاذ موقف حاسم وحازم أصبح الجيش مؤذياً”. ويوضّح القطراني أن الحرابة وعرقلة توحيد الجيش جاءا من قبل هذه المجموعات الّتي اغلبها من المدنيين وليس لهم علاقة بالعلوم العسكرية والانضباطيّة.

وبين هذه الآراء، يبقى المواطن منتظراً الحلّ الامثل ووقف الحرب الّتي تستهدف أمنه بالدّرجة الأولى، وفي نفس الوقت يحلم بمشهد أمني مستقر يُساهم في التّعايش السلميّ مابين ابناء البلد الواحد، ولربّما هذا لا يمكن تحقيقه إلّا من خلال المكاشفة وتقبّل الاخر كما يعتقد البعض.

 

تقرير \ محمد الصريط صحافي وباحث بمركز الأداء الاستراتيجي

 

Back To Top