بعد أكثر من 100 يوم على بدء الحرب في تخوم العاصمة الليبية طرابلس، بدأت تعلو ولو على استحياء بعض الاصوات المطالبة بوقف الحرب والعودة من جديد لسير المفاوضات والحوار بين المكوّنات والاطراف الليبية.
إلّا أن هذه الدعوة أو هذه الاصوات لم ترتقي بعد للمستوى الذي يفترض أن يكون بداية لانطلاق حوار جديد يأذن بوقف الحرب، فحتّى مع زيارة نائبة المبعوث الأممي للشؤون السياسية في ليبيا ستيفاني ويليامز لبعض المناطق والمدن الليبية ومقابلتها لبعض النخب السياسية والنشطاء والمسؤولين المحلّيّين، تبيّن أنه لازال هناك من يؤمن بالحرب كحلّ جذريّ لمشاكل ليبيا وذلك بالرّغم من أنّ بعض الاصوات التي بدأت تظهر حتّى مع بداية الحرب في مختلف انحاء ليبيا تطالب بوقفها وترفع شعار (الحرب ليست حل).
وحول هذا الموضوع، يعتبر الاستاذ ابراهيم موسى المقيم بستوكهولم أنّه لن ينتصر أيّ طرف من أطراف هذه الحرب انتصاراً كاملاً ومستديماً، بل أنّ الثّابت هو خسارة الكلّ، حيث تحوّلت الحرب إلى تطاحن عنيد واستنزاف مفتوح بين طرفين، وهذا من شأنه أن يزيد من تكلفة الحرب البشرية في الوفيات والجرحى والنازحين والّذي أصبح في تزايد مرعب.
هذا ويردف موسى بقوله: “تعاظم العذاب والمعاناة المعيشيّة للمواطنين بكلّ شرائحهم أصبح عنوان المرحلة لدرجة تعرقل الحياة بشكل مهين من خلال تهاوي الحريات وحقوق الانسان ونقص الاحتياجات الاساسية واستشراء الانتهاكات الرسمية والجنائية”.
ويوضّح موسى أنّ تعاظم التنافر والخصام الجهوي والقبلي حتّى داخل نفس المنطقة والقبيلة أصبح تهديداً للنّسيج الاجتماعيّ الذي في اعتقاده تأثّر بشكل كبير جدّاً من جرّاء الحرب التي تعرض بقاء ووحدة ليبيا لخطر وجودي، إلى جانب تعميق انقسام وانشطار كلّ مؤسّسات الدّولة في كلّ القطاعات التشريعية والتنفيذية والعسكرية.
ويرى ايضاً الاستاذ ابراهيم موسى أنّ تكلفة الحرب المادّيّة والعمرانيّة والخدميّة اصبحت مأهولة فتتسبّب أيضاً في طمس وهجرة الأدمغة والقدرات الليبية وهروب رأس المال الوطني للخارج، إلى جانب تبذير وهدر الإمكانيّات لصالح مجهود الحرب والتعويضات والتهريب وإصلاح الدمار والفساد وتآكل الاستثمارات والأصول الليبية بدلاً من تحبيذ التنمية البشرية والتعليمية والاقتصادية.
هذا ويضيف ايضاً موسى أنّه كلّما طالت الحرب زاد تعقيد وصعوبة الحل السياسي مع زيادة الدم والفتورة البشرية لشعب قبليّ يؤمن بالانتقام، وبالتّالي تتحوّل ليبيا إلى ساحة حرب إقليميّة ودوليّة يبقى فيها الليبيّون وقودها وضحاياها مع تدهور قدرة الاطراف الليبية على التأثير، وهنا تكمن الخطورة الاخرى!
وهذا من شانه أن يعزّز الانقسام فعلاً لمناطق نفوذ وتبعيّة لدول خارجيّة ربّما تصل لدرجة فرض إكراهات سياسيّة واقتصاديّة وسكّانيّة، فربّما تصنع من الليبيّين رعايا من الدرجة الثانية في وطنهم.
من جهة أخرى، يعتبر الاستاذ ابراهيم موسى أنّ استغلال التطرّف والارهاب والهجرة المنفلتة والإجرام المنظّم والانتهازيّة الانتقاميّة للظروف القائمة بسبب الاقتتال كلّها أمور تزيد من خطورة الوضع القائم في البّلاد وتهدّد مستقبله على المديين المنظور وغير المنظور.
ومن هنا، يختتم موسى كلامه قائلاً إنّه في حرب أهليّة وفي ظرف يسود فيه وجود مجتمع قبليّ جهوي وماضويّ، قد لا يصبر المهزوم “الاجتماعي” إلّا لوقت محدود قبل أن يثأر.
يبقى السّؤال: هل هناك طريق ثالث لسلام عادل وكريم ومتوازن لا يريده البعض؟
حول هذه المسألة، يرى الاعلامي فراس بوفرج العبيدي من طبرق أنّ “الحرب هي وسيلة فرضت على الليبيين وليس خيار بين عدّة خيارات، فالجماعات المسلّحة تدرك انها تسيطر على العاصمة والمؤسسات الاستراتيجية فيها، وبالتالي اصبحت تقوى وتكبر ويقوى معها نفوذها، ولذلك فإنّ الحرب فرضت”.
ويسترسل بوفرج بقوله: “نعم، نحن شعب اجتماعي عاطفي إلى درجة كبيرة ونتأثّر بالظروف المحيطة بنا، ولكن الحرب ليست بين المكونات الاجتماعية الليبية بل هي بين حلم بناء دولة المؤسسات والقانون والردع وبين من يرغب في استمرار العبث”.
ويضيف بوفرج: “لذلك لا اعتقد أنّ الحرب في طرابلس تهدف لمسّ مكوّن اجتماعي او مدينة ما بل أنّها قائمة من اجل القضاء على المجموعات المسلّحة التي تعرقل عمل الدولة من خلال المواجهة المباشرة معها وهذا مكلف وندرك ذلك لكن لا خيار لنا إلّا المواجهة.”
وختاماً، فما بين مؤيّد ورافض للحرب يبقى المواطن الليبيّ عموماً وسكّان غرب ليبيا خصوصاً بانتظار تحسّن الاوضاع المعيشيّة المرتبطة بالواقع السياسي والعسكري والميداني، لعلّ الحرب تتوقّف فيعود التلاميذ لمقاعد الدراسة والاستاذ للجامعة والموظّف لعمله خاصّة في مناطق الاشتباك الّتي تقع على تخوم العاصمة وتوحي بقربها لداخل المدينة في حال استمرّت الحرب.
محمّد الصّريط