طرابلس، بين مطالب التهدئة وإنذار للحرب

بعد أن تمدّدت قوّات الجيش المعترف به من قبل البرلمان في ليبيا في مناطق عديدة بالجنوب الليبي، يتخيّل البّعض أنّ ما يطلق عليها معركة “حسم طرابلس” اصبحت وشيكة. إلّا أنّ هناك رؤى مخالفة تقول إنّ الاقتحام المفترض للعاصمة طرابلس قد يؤدي لتدهور الاوضاع المعيشيّة والإنسانيّة لما يقارب أكثر من مليوني نسمة من سكان العاصمة. وتبقى التّساؤلات حول ماهية الأمور عديدة حينئذ رغم الظرف القائم والّذي عقدت فيه عدّة اجتماعات خارج ليبيا بين أطراف النزاع المتمثلة في خليفة حفتر وفائز السراج.

آخر هذه الاجتماعات ذلك الّذي أدير في مدينة ابوظبي والّذي تحدّثت عنه الأمم المتّحدة وباركت مخرجاته التي تجسّدت في نقطة محوريّة وهي الاتفاق الّذي قيل إنّه جرى بين فايز السّرّاج وخليفة حفتر بغاية إنهاء المرحلة الانتقالية والذهاب لانتخابات مباشرة إلى جانب مسألة عدم الاحتكام للسلاح في فرض الرؤى. غير أنّ الكثير من المتابعين للشّأن الليبيّ ما زالوا غير مقتنعين بهذه التّطوّرات وما قد تؤول إليه حيث أنّها ترى أنّ توصّل فايز السّرّاج وخليفة حفتر إلى هكذا اتّفاق غير منطقي كون أنّ الطّرفين بعيدين كل البعد فيما يخصّ رؤاهم حول مستقبل ليبيا.

 

ويقول هنا الصّحفي الليبي حمزة احمد، مدير إدارة البرامج بقناة ليبيا الاحرار بتركيا والمقيم حاليّاً في طرابلس، إنّه لا يعتقد أنّه ستحدث اشتباكات بطرابلس في الظّرف الحالي، فهذه “الفرصة” – إذا صحّ التّعبير – كانت مواتية لخليفة حفتر في عام 2016 حيث كان رصيده كبيراً آنذاك في العاصمة، ولكن مشاهد عديدة لمناطق الاقتتال في ليبيا وصلت لطرابلس وجعلت الرّأي العام يغير الكثير من مواقفه تجاه جيش الشّرق.

ويضيف حمزة احمد أنّه لا يمكن تجاهل رغبة وتوجّهات المجتمع الدّولي الذي يدرك أنّ هناك توازن في القوة قد يؤدّي لكارثة في حال وقوع تصادم، ناهيك عن المشاكل الإضافيّة الّتي قد تنتج من جرّاء خلق ظرف جديد تبرز فيه موجات جديدة من المشرّدين والنازعين والمهجّرين إضافة لاحتماليّة وقوع أعمال انتقامية من قبل بعض الأطراف وهو شيء يرفضه المجتمع الدولي.

ومن ناحيته يعتقد الباحث والناشط سليمان الفارسي الاستاذ بمعهد الفكر العربي ببنغازي أنّه لا شكّ انّ الحروب صعبة ونتائجها على المجتمعات كارثيّة، غير أنّ منتقدي الجيش كانوا يهولون دخول درنه وبنغازي بينما الواقع أنّ هاتين المدينتين اللتين تعيشان تحت سيطرة الجيش عاد الأمن والأمان فيهما، فلما رفض امتداد هذا الواقع إلى العاصمة لكي يكتمل حينئذ الفرح الليبي؟

أمّا البرفسور سالم الهويدي، استاذ الراي العام بجامعة الخمس، فهو يقول إنّه “لا يخفى على احد رغبة خليفة حفتر السّيطرة الكاملة على ليبيا وهذا لا يمكنه أن يأتي إلّا بدخوله العاصمة، أمّا كيفيّة الدخول فهي عامل مهمّ له حيث أنّه إذا دخلها منتصراً فسيعني هذا نيّته السّيطرة المطلقة على العاصمة علماً بأنّ وجهة نظر خليفة حفتر تمكث في فكرة أنّ التّوافق يعني الهزيمة.

ويرى ايضاً الهويدي أنّ خليفة حفتر الآن قوّاته جاهزة، لكن ليس لدخول العاصمة بل لمحاصرتها، فقد امتدّ تواجد قوى جيش الشّرق حتّى الحدود الجنوبية كما انّها باتت قريبة من الحدود الليبيّة التّونسيّة وبالتالي فقد اقترب خليفة حفتر من احكام سيطرته على جميع منافذ ليبيا، ولم يبقى له إلّا حسم وضع مطارَي معيتيقه ومصراته، وقد يحاول حفتر إذاً قريباً التّحالف مع ماسكي زمام أمور المنطقتين قريباً.

واخيراً ومن وجهة نظر الباحث والمحلّل فرج بن ناهية، واصله من بني وليد، فإنّ “القوّة التي سوف تكون في مواجهة قوى الشّرق كبيرة وضخمة ويجب مراعاة ذلك”، موضّحاً أنّ قوّات البنيان المرصوص بحدّ ذاتها تشكّل تهديداً خطيراً يجب التّعامل معه بحكمة خاصة نظراً إلى العتاد الّذي بحوزتها والّذي قد يكون رقماً مهمّاً في المعادلة.

 

تقرير من إعداد محمّد الصّريط

علي الأمين: “نتائج الانتخابات النّيابيّة في لبنان لن تغيّر في واقع السّلطة القائم اليوم”

علي الأمين : “نتائج الانتخابات النّيابيّة في لبنان لن تغيّر في واقع السلطة القائم اليوم” 

ينشر موقع ستراكتيجيا اليوم هذا الحوار الخاص بالأوضاع القائمة في لبنان مع الأستاذ علي الأمين، محلل سياسي ورئيس تحرير موقع ‘جنوبية’.

 

١/ بدايةً، ما تعليقك على نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة وما هي توقعاتك إزاء التركيبة النيابية الجديدة؟
أظهرت نتائج الانتخابات النيابية ٢٠١٨ في لبنان على وجه العموم جملة حقائق. قانون الانتخاب الذي اعتمد قرّر الى حدّ كبير حصص كل فريق داخل السلطة، ولم يكن يوم الاقتراع إلا حلقة أخيرة من سلسلة حلقات مقررة للوصول الى هذه النتائج.
موازين السلطة التي تميل لصالح حزب الله وحلفائه ومنذ انتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون قبل عام ونصف، تمّت ترجمتها في الانتخابات النيابية، وساهم قانون الانتخاب الى جانب التحكم بمفاصل السلطة الأمنية، وامتلاك السلاح غير الشرعي من قبل حزب الله، في الوصول الى تحقيق هذه النتيجة، التي دفعت قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني للقول بعد نحو شهر من اعلان النتائج، أن حزب الله فاز ب٧٤ مقعدا نيابياً من أصل ١٢٨، من دون حتى أن يشير ولو مراعاةً إلى ان المقصود حزب الله وحلفاؤه.
أظهرت الانتخابات النيابية الى حدّ بعيد أن التنافس كان قائما داخل الطوائف، بالدرجة الأولى في الدوائر ذات الغالبية المسيحية ثم في الدوائر ذات الغالبية السنية ثم الدرزية، كما أظهرت ان الدوائر ذات الغالبية الشيعية مغلقة على أي تنافس بحيث ظهر أنّ حزب الله وحليفته حركة أمل قادران على تحقيق الفوز الكاسح على أي حالة معارضة. وهذا يحتاج تفسيره الى بحث آخر، يكشف عن الأسباب الموضوعية التي أظهرت الطائفة الشيعية في لبنان بخلاف بقيّة الطوائف وكأنها طائفة مغلقة وخائفة وقلقة وربما مصادرة الإرادة.
لوحظ أنّ نسبة المشاركة في الانتخابات، والّتي قاربت الخمسين في المئة، هي نسبة متدنّية عما كان عليه الحال في انتخابات عام ٢٠٠٩ والتي بلغت آنذاك اثنين وخمسين في المئة في ظلّ نظام اكثريّ، بينما في الانتخابات الأخيرة اعتُمد النظام النسبي وهو نظام يفترض ارتفاع نسبة المقترعين. وهذا إن دلّ على شيء فهو شعور لبناني عام بأنّ نتائج الانتخابات لن تغيّر في واقع الحال، للأسباب التي اشرنا إليها سابقاً، أي طبيعة قانون الانتخابات، والتحكم بمفاصل السلطة من قبل حزب الله، فضلا عن عدم الثقة بإدارة العملية الانتخابية التي تسمح بتزوير منظّم ومحترف للانتخابات ونتائجها.
يمكن القول إنّ نتائج الانتخابات النيابية لن تغيّر في واقع السلطة القائم اليوم، أي أن حزب الله لا يزال وسيبقى يدير العملية السياسية وعملية تقاسم الحصص بين اطراف السلطة، ويعمل على ترسيخ دوره كسلطة وصاية على الدولة اللبنانية كما كان الحال في مرحلة الوصاية السورية على لبنان. يعلم اللبنانيون أنّ قوة حزب الله ونفوذه لا يتأتيان من تمثيله النيابي او السياسي، بل من السلاح الذي يمتلكه والبنية الأمنية والعسكرية التي امتدّت الى كل المناطق اللبنانية والى خارج لبنان. امام هذه الحقيقة ثمة مراهنات لبنانية عميقة على دور خارجي دولي واقليمي على لجم الدور العسكري والأمني لحزب الله لا سيما في سوريا، وإلزامه في الدخول الى الدولة بشروط الدستور والقانون.

 

٢/ ما رأيك في نتائج مؤتمر الأرز الّذي نظّم في باريس، مسألة سلّة القروض مقلاً (١١.٥ مليار دولار)، إلى جانب مليارات أخرى ستذهب إلى القطاع الخاص على مدى السنوات العشر القادمة؟ هل تعتقد أنّ هذا المال سيوظّف في الأماكن المناسبة؟
القروض المقرّرة في مؤتمر الأرز لا قيمة اقتصادية لها إن لم تندرج في سياق إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة اللبنانية، فالثقة بمؤسسات الدولة نحو مزيد من التراجع من قبل اللبنانيين عموما، والمحاسبة غائبة، وسلطة القضاء مصادَرة لصالح القوة المسيطرة. أما التعويل على القطاع الخاص للاستفادة من القروض فهذا يفترض ان تلتزم الدولة اللبنانية بشرط السيادة، وبقدرتها على منع حزب الله من المغامرة في أنشطة عسكرية وامنية في لبنان وخارجه، والاهمّ من ذلك تغيير صورة لبنان وانتقال البّلاد من منطقة نفوذ للحرس الثوري الى دولة سياديّة مستقلّة وعلى علاقة جيدة مع محيطها العربي ومع العالم.

٣/ مع الأخذ بالاعتبار موضوع الاتفاق النووي الإيراني وأحداث غزّة الأخيرة وبالطّبع الحرب القائمة في سوريا، كيف تتوقع أن تتطوّر الأمور بين لبنان وإسرائيل؟ ربما بطريقة أكثر تصادمية وخطورة؟
الأرجح أن المواجهة بين لبنان وإسرائيل انتهت الى غير رجعة في المدى المنظور، فإسرائيل تدرك أن حزب الله الذي يسيطر على قرار الحرب والسلم في لبنان، ليس في وارد خوض مواجهة مع إسرائيل، لأنّ إيران ذاتها لا تريد مثل هذه المواجهة في ظلّ العداء الذي يستفحل مع محيطها العربي لا سيّما لدى الأكثرية السنّيّة، علماً بأنّ المواجهة مع إسرائيل كانت لدى حزب الله تستهدف نتيجة واحدة وهي السيطرة والنفوذ على لبنان. فيما يشكّل عنوان العداء لإسرائيل وسيلة من أجل تبرير الحروب الداخلية التي خاضها حزب الله في سوريا وفي اليمن، وهو يريد للبنان أن يكون منطقة نفوذ آمنة له ومنصّة انطلاق لعمليّات خارجيّة في أكثر من دولة عربية. في المقابل فإنّ إسرائيل وبعد التجربة تبيّن لها أنّ وجود حزب الله في لبنان وفّر لها امانا على حدودها الشمالية، فيما هي لا تثق بأيّ قوة بديلة قادرة على توفير الأمان الذي وفّره حزب الله. وانا من أصحاب الرأي الذي يقول انّ إسرائيل وإيران يستثمران عنوان العداء بينهما في العالم العربي، فإيران باسم العداء لإسرائيل تحاول اختراق البيئات الشعبيّة العربيّة السّنّيّة وتغطية سيطرتها ونفوذها في بلاد العرب، وإسرائيل التي لا تريد السّلام تستخدم عنوانا آخر وهو العداء لإيران في سبيل اختراق الأبواب المغلقة في وجهها عربيّاً، وبالتّالي فإنّ الطرفين يستفيدان من شعار العداء بينهما لتحقيق اهداف استراتيجية كتحقيق المزيد من الخروقات والحصول على قدر أكبر من النفوذ في المنطقة العربية.

٤/ هل يمكن أن تحدّثنا قليلاً عن العقوبات الأمريكية الجديدة، المباشرة والغير مباشرة، المفروضة على حزب الله وآثارها المفترضة على الوضع السياسي والاقتصادي اللبناني؟
العقوبات الأميركية المفروضة على حزب الله هي من نوع العقوبات المتدرّجة والتي تتطوّر وتتراجع حسب ميزان سيطرة حزب الله على الدولة اللبنانية، فكلّما بدا أن الدّولة اللبنانيّة خاضعة لسيطرة حزب الله وكلّما برزت عقوبات أميركيّة جديدة على حزب الله. هذا ونعتقد أنّ العقوبات الأميركية تساهم في الحدّ من تمدّد سيطرة حزب الله على الاقتصاد وعلى النظام المالي اللبناني وتساهم في منع التماهي الكامل بين الدولة اللبنانية وحزب الله. ويمكن القول انّ اللبنانيّين يدركون أنّ فائض القوّة لدى حزب الله والمتأتي من الدعم العسكري والمالي الإيراني ومن تمدده في الدول العربية، ومن غضّ النظر الدولي عن دوره الإقليمي، لا يمكن لجمه أو تحجيمه بأدوات لبنانية داخلية، بل يتطلب ذلك دورا دوليا فاعلا ومؤثرا. العقوبات الأميركية هي إحدى الوسائل المعتمدة لكنّها ليست كافية إذا لم تترافق مع إجراءات دولية وإقليمية تتمكّن من كسر طموح إيران في السيطرة على لبنان بحجّة بذريعة العداء لإسرائيل مثلاً.

٥/ هل انت قلق إزاء الوضع السياسي والعسكري القائم في منطقتنا وطبيعة تطوّراته المفترضة على المديين القريب والمتوسط؟ هل سنشاهد حروباً ومعارك اخرى أم انّه ما زال باستطاعتنا توقّع بداية استقرار وتوازن قوى؟
الفراغ في المنطقة العربية (العراق، اليمن، سوريا، لبنان، فلسطين) فتح شهيّة دول إقليميّة ودوليّة لملئه، وفي سوريا بات واضحاً أنّ أطرافاً دوليةً على رأسها موسكو وواشنطن هي من تدير الصّراع فيها، فيما أنّ تركيا وإيران وإسرائيل تحاول كل منها فرض دورها في المعادلة السورية في المستقبل. الفوضى تبدو الخيار الأقوى في ظلّ عدم اتّضاح أي صورة واقعية لحل سياسي قابل للاستمرار، الفراغ هذا لا يمكن لهذه الدول أن تملأه طالما بقيت المجتمعات العربية عرضة لتصدّع بناها السّياسيّة والاجتماعيّة، وتحت ضغط الاستثمار الطائفي والمذهبي والاثني. وإذا كان الانهيار الذي شهدته هذه الدول قد افاد بعض الدول الطامحة إلى النفوذ والسيطرة، فإنّ بقاء هذه الفوضى واستمرارها سوف تكون لها تداعيات على هذه الدول نفسها، إذ لا يمكن للفوضى أن تبقى محصورة في الجغرافيا العربية، وهي معرّضة للتّمدّد في أكثر من دولة إقليمية وحتى على المستوى الأوروبي، فقضيّة اللجوء وحدها باتت تشكّل تحدّ حقيقيّ للدّول الأوروبّيّة سياسيّاً وامنيّاً واقتصاديّاً وحتّى ثقافيّاً.

٦/ ختاماً، ماذا تقول حول موضوع مشاركتك بالانتخابات وما تطرّقت إليه تحديداً في جنوب لبنان؟
الاعتداء الذي تعرّضت له عشيّة الانتخابات النّيابيّة في بلدتي شقراء في قضاء بنت جبيل بجنوب لبنان، يمكن تفسيره بالشّكل التّالي: توجيه رسالة للمجتمع بأنّ أيّ اعتراض على سلطة حزب الله من داخل البّيئة الشّيعيّة سيكون مكلفاً جدّاً لأصحابه، والتّأكيد على أنّ النّشاط السّياسيّ او الانتخابيّ في البيئة الشيعيّة هو حكر على حزب الله وحركة امل وايّ نشاط سياسيّ أو انتخابيّ معارض لهذين الطرفين ممنوع، والإصرار كذلك على أنّ القوى الأمنيّة الشّرعيّة والقضاء لا يمكن لهما العمل في مناطق نفوذ حزب الله الا بإشرافه وتحت مظلّته، وهذا تأكيد إذاً بأنّ التّنافس الانتخابيّ او السّياسيّ هو امر يتمّ حصراً خارج البيئة الشيعيّة وأنّ كلّ المّؤسّسات الرّسميّة مُسَخَّرة في سبيل حماية هذه الغاية.

 

أجرى هذا الحوار روني نعمة، معاون ابحاث في مركز الأداء الاستراتيجي – ستراكتيجيا

 

عن واقع السّويداء ومستقبل سوريا – حوار مع كنان ياسين

عن واقع السّويداء ومستقبل سوريا – حوار مع كنان ياسين، نائب رئيس الغرفة الفّتيّة الدّوليّة – فرع السّويداء

 

في ظلّ الاحداث الّتي نالت السّاحة السّورية عبر السّنوات الأخيرة، ترد تساؤلات عدّة حول واقع بعض المحافظات وحقيقة موقفها من هذه التّطوّرات. تمثّل محافظة السّويداء القريبة من درعا والمشهورة باحتضانها لعدد كبير من أبناء الطّائفة الدّرزيّة إحدى هذه المناطق الّتي تستحقّ التّدقيق في واقعها والتّعرّف بشكل أفضل على ما يدور بذهن أهلها عموماً. انطلاقاً من هنا كان لنا هذا الحوار المطوّل والمهمّ مع الأستاذ كنان ياسين، نائب رئيس الغرفة الفّتيّة الدّوليّة – فرع السّويداء.  

 

١/ ما هي الغرفة الفتيّة الدّوليّة؟ وما العمل الّذي قامت به على مدار السّنوات الأخيرة في سوريا؟

 

الغرفة الفتية الدولية (JCI) هي شبكة عالمية من المواطنين الفاعلين والشباب المتطوعين بين عمر 18 و40 سنة ضمن حوالي 5000 غرفة محلية في 117 دولة حول العالم وهي تؤمن بأن خدمة الإنسان هي أنبل عمل في الحياة. تأسست الغرفة الدولية الفتية في سورية عام 2004 تحت إشراف غرفة التجارة الدولية السورية، وتنشط حالياً في 7 محافظات منها محافظات عانت من آثار الحرب والدمار والتطرف بشكل كبير مثل حلب وحماه وحمص ودمشق بالإضافة إلى اللاذقية وطرطوس والسويداء التي عانت بكل تأكيد من كل مفاعيل الأحداث الأخيرة ولكن كانت العمليات العسكرية فيها محدودة نسبيا كما هو معروف.

يعتبر الهدف العام والاساسي من نشاط هذه الشبكة هو خلق روح المبادرة لدى الشباب ضمن المجتمعات التي يعيشون ويتفاعلون فيها والمساهمة في تحويل الشباب إلى مواطنين فعالين بشكل إيجابي في جميع المجالات وعلى كافة الصعد، وقد حازت العديد من مشاريع ونشاطات الغرفة على جوائز عديدة على مستوى العالم تجاوزت ال 50 جائزة.

خلال السنوات الماضية كان التوجه الأساسي لنشاط الغرفة على مستوى سوريا بشكل عام نحو تمكين الشباب ومساعدتهم في اكتساب المهارات لزيادة حظوظهم في الحصول على فرص أفضل من ناحية العمل ومن ناحية التأثير الإيجابي في المحيط الذي يعيشون فيه وخلق روح المسؤولية تجاه مجمعاتهم لتحويلهم إلى مشاريع قادة ملهمين ضمن هذا المحيط، وكان من أبرز ما تم القيام به مجموعة من الفعاليات والمشاريع وورشات العمل مثل ملتقى التنمية والشباب الذي قامت به غرفة السويداء كأول مشروع عند تأسيسها والذي حاز على جائزة في المؤتمر الوطني لغرفة الفتية الدولية لعام 2017 بالإضافة إلى العديد من المشاريع التي قامت بها باقي الغرف ومنها : مهرجان التطوع، ملاعب وتشجير حمص، برنامج مدينتنا بحلب، برنامج التعاون مع محافظة حماة، مشروع امتهن ومشروع خطوة، مشروع الحفاظ على موارد سوريا برنامج المسؤولية الاجتماعية للشركات ,مشروع click ,معرض الثقافات الدولية “مشوار ع العالم”، بالإضافة إلى الكثير من التدريبات وورش العمل الخاصة بأعضاء الغرف في مجال القيادة الفعالة وفن الخطابة والمناظرة وثقافة التطوع والعمل المدني.

 

٢/ تعملون في السّويداء المعروفة بقربها من مدينة درعا الّتي انطلقت منها احداث عام ٢٠١١، فكيف تعرّفون عن واقع المدينة والمنطقة اليوم وقد مضت أكثر من ٧ سنوات على الحرب؟

 

بدايةً كما تعرفون فإن محافظة السويداء تتميز من الناحية الديموغرافية بتنوع كبير مع وجود غالبة عددية لأبناء طائفة الموحدين الدروز، حيث كانت هذه المحافظة وعلى مدى التاريخ نموذجاً مميزاً للتعايش بين مكوناتها بغض النظر عن بعض الحالات القليلة الشاذة والخارجة عن السياق الطبيعي للواقع وهنا يجب ألا ننسى بأن مذهب التوحيد يتميز بجوهره وببعده كل البعد عن ثقافة التطرف والتعصب وإلغاء الآخر.

في بداية الأحداث عام 2011 كانت الصورة الغالبة لدى أبناء المحافظة بشكل عام بأن الحراك الذي بدأ في محافظة درعا ومن ثم امتد إلى محافظات أخرى يحمل الطابع الديني والطائفي من خلال عدة مؤشرات أهمها انطلاق المظاهرات من الجوامع ورفع شعارات دينية بدءاً من التكبير وصولاً إلى الهتافات المسيئة لطوائف معينة عدا عن رسائل التخوين التي وصلت إلى أبناء المحافظة بسبب عدم تحركهم ضد الدولة أو النظام تحت عنوان أن الدروز يوالون النظام العلوي بالإضافة إلى الحملة الإعلامية الضخمة التي واكبت هذه الأحداث والتي اظهرت العنوان الطائفي بشكل واضح، كل هذه المعطيات تسببت في انقسام داخل المحافظة من مؤيدين لهذا الحراك ورافضين له على اعتباره لا يمثل حراك شعبي مطلبي وبالأخص بعد ظهور محاولة فرض فكرة تغيير العلم والنشيد الوطني وتدمير وحرق مؤسسات الدولة التي شهدناها في الايام الأولى من الحراك في درعا، الأمر الّذي استدعى لأذهان الناس صورة الحالة العراقية والليبية التي تحولت بعد سقوط المؤسسات إلى دول فاشلة ومقسمة.

رغم محاولات الكثير من الأطراف جر ابناء المحافظة إلى الانخراط في هذا التوجه والحراك بشكل أكبر للاستفادة من خصوصية هذه الأقلية بالنسبة للبازارات السياسية والإعلامية العالمية، ومع الأخذ بعين الاعتبار بأن محافظة السويداء تملك إحدى أعلى نسب المتعلمين والمثقفين بين أبناءها على مستوى القطر ولديها عدد كبير من المفكرين وأصحاب الرأي وخصوصاً المعارضين منهم، كان الوعي الوطني والإصرار على المحافظة على مؤسسات ومقومات الدولة ووحدة أراضيها والإيمان بطرق التغيير السلمية والحضارية هو الغالب بشكل عام في ظل كل المعطيات السابقة واعتبار هذا الأمر مسألة وجودية بالنسبة لأبناء المحافظة بشكل عام وابناء طائفة التوحيد بشكل خاص، مما أدى إلى تحييد المحافظة عن مستنقع الصراع بشكل كبير جداً ولكن بالتأكيد ليس بشكل نهائي .

بالتأكيد تأثرت المحافظة كما تأثر الوطن السوري بمفاعيل هذه الحرب وعلى الرغم من عدم تحول ساحة المحافظة إلى مسرح عمليات عسكرية ودمار مباشر إلا أنها عانت من آثار هذه الأعمال وهذا الوضع بشكل كبير سواء من خلال بعض العمليات العسكرية على أطرافها أو من خلال فقدانها لعدد ليس بقليل من شبابها في العمليات الحربية في محيطها أو في المحافظات الأخرى، كما كان الأثر الأكبر متمثلاً بالأثر الاقتصادي حيث ساهم نزوح عدد كبير من السوريين من مناطق الصراع في الكثير من المحافظات إليها وخصوصاً من محافظة درعا وريف دمشق ساهم ذلك في تردي الوضع المعيشي وتدني مستوى الخدمات إلى حده الأدنى وارتفاع الأسعار شح المواد الأساسية وخصوصاً المدعومة منها إضافة إلى عمليات التخريب المتعمد للكثير من آبار المياه التي تعاني المحافظة أساساً من تذبذب في توافرها بالشكل الكامل وازدياد معدلات البطالة بشكل كبير بسبب ظاهرة الامتناع عن الالتحاق بالخدمة العسكرية التي أدت إلى بقاء قسم كبير من شباب المحافظة في منازلهم وعدم قدرتهم على مزاولة أعمالهم بشكل مريح أو السفر للعمل خارج المحافظة أو خارج القطر، ناهيك عن حالة الفوضى الأمنية التي نتجت عن سوء الأحوال الاقتصادية وتكون قناعة لدى البعض من أبناء المحافظة بأن الدولة ضعيفة وغير قادرة على بسط سلطتها دون أن يؤدي ذلك إلى صدامات دموية هي بالغنى عنها حالياً .

كل ذلك مضافاً إليه ظهور بعض الحالات والحركات الدينية المتطرفة ضمن طائفة الموحدين الدروز والتي تعتبر حالات خطيرة وجديدة على هذا المجتمع، كان من أكثر آثار هذه الحرب قسوةً على واقع محافظة السويداء.

 

٣/ ما هو تقييمكم لمفهوم المجتمع المدنيّ في سوريا؟ هل من تطوّرات وردت على مدار السّنوات الماضية ام أنّ الصّعوبات ما زالت كما هي؟

 

إن العمل المدني كما أراه بشكل عام هو جزء ومكون أساسي من أي بيئة سياسية واجتماعية تسعى للوصول إلى الحد الأقرب من الحالة الصحية المناسبة للنهضة بالوطن على جميع الصعد من خلال النهضة بمجتمعه.

وإذا أردنا الحديث عن العمل المدني على مستوى سوريا حالياً فأنه محصور في شقين:

. الشق الأول هو مفهوم الشك الذي يصل احياناً إلى حد التخوين لكل من يعمل في هذا المجال حيث انه ونتيجة للظروف التي مرت بها سوريا سواء من ناحية الضعف الشديد في حالة التنوع في العمل السياسي والاجتماعي خلال العقود الماضية أو من ناحية الظروف التي عاشتها البلاد على مدى سنوات الحرب المنصرمة فقد سادت لدى شريحة ليست بقليلة من المجتمع السوري نظرة الريبة والشك تجاه عنوان العمل المدني إذ أن هناك من يربط هذا العنوان بالعمل المعارض لمؤسسات الدولة والهادف إلى تدميرها خدمة لمصالح جهات خارجية تقوم بتمويل هذه النشاطات، وبالطبع فإن هذه الصورة قد تكونت لدى هؤلاء من خلال ما شهدوه عبر وسائل التواصل وما سمعوه عن بعض المنظمات المدنية التي تم الحديث عن تأسيسها من قبل أجهزة مخابرات دولية للانخراط في الحياة السورية والتأثير فيها، كما لايمكننا فصل هذه النظرة واسبابها عن تأثير العقليات الموجودة في بعض مؤسسات الدولة والتي تقاوم بشدة هذا النوع من الانفتاح في العمل السياسي والاجتماعي تحت عناوين مختلفة الامر الذي ساهم في تعزيز هذه الصورة القاتمة حول العمل المدني لدى هذه الشريحة من الناس.

. الشق الثاني وهو بلا شك قد بدأ يأخذ مكاناً مقبولاً وبشكل تصاعدي ضمن قناعات شريحة جيدة من الشارع السوري وخصوصاً من شريحة الشباب، فهذا الشق ينظر إلى العمل المدني على أنه مفهوم وطني بعيداً عن اي تطرف او ولاء أعمى سواء كان سياسياً او دينيّاً او عشائريّاً يهدف إلى تحفيز جميع مكونات المجتمع – بغض النظر عن اي تناقضات – للانخراط في عملية بناء الوطن وتحسين فرص العيش الرغيد لأبنائه، كل أبناءه.

من الواضح أنّ هذا المفهوم بدأ يتعزز بقوة خلال السنوات الاخيرة للحرب بعد ان بدأ الشارع السوري بلمس الأثر الإيجابي لنشاط العمل المدني المتزايد على مساحة الوطن السوري وخصوصاً في المناطق التي بدأت بالتعافي والخروج من مرحلة الحرب المباشرة والفعالة.

فقد بدأنا نرى نماذج جديدة ومتنوعة من مجموعات وفرق ومنظمات العمل المدني تقوم بالمبادرات والنشاطات الهادفة لتعزيز مفاهيم وقيم المواطنة والتعايش والسلام والمساواة والتنمية المستدامة والتشاركية وتمكين الشباب فكرياً وسياسياً واقتصادياً، وأرى أنه يجب التنويه هنا إلى أنّنا اصبحنا نلمس مؤشرات هامة تظهر بأن الجهات الرسمية بدأت بفتح المجال إلى حد ما للنشاط المدني بأخذ حيز معقول تحت الضوء واعتقد بأن هذا التوجه إن كان عاماً فإن سببه الاساسي سيكون إدراك الجميع بأن العمل المدني هو أحد أعمدة قيامة سوريا من تحت رماد الحرب وأحد أهم عناصر تصحيح حالة بيئة العمل في الشأن العام بأشكاله كافة.

 

٤/ على الصّعيد الإنسانيّ، من الواضح أنّ الازمة الّتي تمرّ بها سوريا هي ازمة شديدة وعنيفة سيكون من الصّعب التّغلّب عليها على المديين القصير والمتوسّط، ما تقييمكم لطبيعة ومتانة النّسيج الاجتماعي السّوريينّ؟

 

بالتأكيد لا يمكن إنكار واقع مرير، بأنّ هذه الحرب كان أحد أهم أسلحتها هو خلخلة النسيج الاجتماعي القائم حينها والذي كان مائلاً للاستقرار على الأقل من ناحية الشكل، إذ أنّ التمايز الذي قد يصل أحياناً حد التنافر كان موجوداً كما هو الحال في الكثير من مجتمعات منطقتنا ولكن بشكل خجول جداً وخفيّ، أمّا خلال الحرب فكان هناك جهد كبير ومكلف جداً قامت به الكثير من الجهات للعمل على إظهار هذه الحالة إلى السطح وتأجيجها بهدف خلق أثر تدميري طويل الأمد يمكن العمل على إعادة إنتاجه مستقبلاً تحت عناوين عدة.

الحقيقة أنّ هذا الأمر قد نجح إلى حد كبير في التأثير العميق في المنظومة الاجتماعية السورية على تنوعها وأفرز حالات وظواهر يصعب بسهولة مسحها من الذاكرة الجمعية والتراكمية للمجتمع، لذلك أرى أن أهم  الأولويات بل ويمكن تسميتها الرب القادمة التي يجب ان نخوضها طواعيةً كسوريين هي عملية إزالة آثار هذا الضرر أو على الأقل التخفيف من حدتها وصولاً إلى مرحلة ترسيخ أولوية العنوان الوطني السوري الجامع على التصنيفات والاعتبارات الأخرى، وهذا الأمر كما هو معروف يحتاج إلى الكثير من المقوّمات والجهود اولها هو القرار الرسمي الحقيقي المبني على قراءة واقعية وموضوعية لأسباب الحرب ونتائجها وليس آخرها تسخير المقدرات المادية والفكرية على المدى الطويل خدمةً لهذا الهدف.

 

٥/ الجيش السّوريّ في مرحلة صعود واستعادة لسيادته على جزء كبير من مناطق البّلاد “الحيويّة” والمحوريّة، هل يعني ذلك أنّ لا شيء تغيّر على الرّغم من مضي أكثر من ٧ سنوات من الحرب والدّمار؟

 

لا أعتقد بأن لا شيء تغير، فمن غير المعقول تجاهل نتائج ما حصل خلال سنوات الحرب وما يجب فعله لتجنب تكرار هذا السيناريو المدمر لجميع الأطراف السورية. بالتالي من المنطقي جداً وعلى اعتبار أن الضرر قد طال الجميع أن يكون هناك قرار على المستوى الوطني ككل بالعمل على تحصين الداخل والبدء بتكوين منظور جديد كلّيّاً لأسلوب وطريقة وأدوات إدارة البلاد على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والأمنية على المدى الطويل الأمر الذي سيأخذ وقتاً ليس بقليل لتحقيقه، ولكن اعتقد ان الجميع يعلم أنّ لا مهرب من البدء به وإلا فإن العواصف لن تتوقف وقد تتصاعد قوتها التدميرية.

إن ما حصل في سوريا خلال سبع سنوات أضاف إلى مخزون الذاكرة السورية من التجارب ما يعادل عشرات السنوات ليكتسبها أي مجتمع في ظروف عادية مستقرة، وعلى اعتبار ان المجتمع السوري هو مجتمع عريق وخلّاق بغض النظر عن بعض القشور التي ظهرت هنا وهناك إلا أنه بالتأكيد شعب محب للحياة ومؤمن بقيمتها، فإن لم يستفد من هذه التجربة للبدء ببناء حياة أفضل فإنه لن يكون جديراً بهذه الحضارة والتاريخ الغائر في القدم، ولا زلت مؤمناً بانه جدير بكل ذلك وسيذهل العالم بقدرته على التعافي والتطور. وبالتأكيد فإن كل ذلك سيفرض على كل سلطة وأي سلطة بأن تتفاعل بشكل إيجابي مع هذا العنوان.

 

٦/ من المستحيل التّأمّل في علم الغيب ولكن على الرّغم من ذلك كيف تتوقّعون ان يكون وجه سوريا بعد خمس سنوات من الآن وخصوصاً فيما يتعلّق بواقع وطموحات شباب البّلاد؟  

 

إن من سيعيد قيامة سوريا ما بعد الحرب هي شريحة الشباب أولاً، فالشباب يمكن أن يكونوا بناة سوريا ويمكن أن يكونوا سبب دمارها واضمحلال حضارتها. ما حصل فيها يؤكد ان هناك الكثير ممّا سيتغيّر بعد أن وصل السوريون إلى مرحلة القناعة واليقين بانه لا يمكن السماح لما حصل بان يتكرر تحت أي عنوان، وبالتالي فإن سوريا مقبلة على مخاضٍ مؤلمٍ وقاسٍ ولكنه صحّيّ، سينتج عنه كما أرى على المدى الاستراتيجي سوريا جديدة قوية وقادرة يأخذ فيها الشباب دوراً أكبر مما هو الآن سواء على مستوى صنع القرار أو على مستوى الرقابة على طريقة صنعه وتطبيقه، اعتقد أننا سوف نرى الشباب في مواقع التخطيط والتنفيذ والرقابة وأهم مؤشر يمكن أن نأخذ به على بداية التعافي وهو الهامش العريض الذي سيعطى للشباب المنخرط في العمل المدني والشأن العام.

آفاق المستقبل في العراق ـ حوار مع علي البيدر

يعرف العراق مرحلة حسّاسة وربّما مصيريّة من تاريخه، حيث تراكم قضايا الإرهاب والتّطرّف، وتنظيم استفتاء حول الاستقلال في إقليم كردستان، والشّعور بالتّهميش الّذي يعانيه قدر لا يستهان به من العراقيّين وكذلك التجاذبات البرلمانيّة والدّور الّذي تطمح إليه بعض الميليشيات وكذلك الدور البارز الّذي يطمح إليه العديد من القادة السّياسيّين والحزبيّين في البلاد كلّها أمور تضع نقطة استفهام حول ما سيؤول إليه العراق فعلاً في الأشهر والسّنوات القليلة القادمة.

وللتّأكّد من صحّة فهمنا واستيعابنا لحقيقة ما يعيشه العراق حاليّاً قمنا بحوار مع الصّحفي علي البيدر الّذي يعدّ من أبرز المتابعين للشّأن العراقي، ولكم هنا نصّ اللقاء.

س1- هناك تفاؤل كبير من قبل العديد من المراقبين للشأن العراقي والذين يرون ويؤكّدون أنّ هزيمة داعش في العراق باتت على الأبواب، ما تقييمكم لواقع الأمور؟

ج 1 – اذا ما قارنّا حزيران 2014 مع حزيران 2017 ومن ثم مع شهر ايلول من نفس العام نجد أن هناك فرقا شاسعا في جميع المعايير الخاصة بوجود داعش على الارض وامكانيّات التنظيم الفعلية واللوجستية إضافة الى المسألة المتعلّقة بوضع أفراده النفسيّ. فبعد ان كان داعش يقلق العاصمة بغداد ويجول اعضائه بحرّية في احيائها اصبح التنظيم يتقهقر في جميع مراكزه سيما معقله الرئيسي في نينوى التي فقد السيطرة على اي شبر منها ومن المحافظة عموماً، ناهيك عن مركز قيادته الهامة والمتواجد في الموصل . امّا اليوم تعيش القوات الامنيّة العراقيّة حالة من النشوة فهي تقترب من حسم ملف مدينة الحويجة وبعض مناطق صلاح الدين سيما في الساحل من الشرقاط  اضافة إلى وضعه اللمسات النهائية لتحرير مدن الانبار الثلاث (عنه و راوه والقائم) وحينئذ سيتم التخلّص من التنظيم والشروع بمراحل جديدة . الآن نستطيع القول إنّ داعش يلفظ انفاسه الاخيرة ويعيش مراحل خلاصه الاخيرة ايضا .

س2- نهاية داعش في العراق هل ستبشّر بنهاية العنف والتّطرّف عموماً في العراق؟ وماذا عن مستقبل أعضاء داعش الباقيّين لا سيّما العراقيّين منهم؟

لا يمكننا ان نجعل العنف مقرونا بداعش فقط فهناك الكثير من ادوات اذكاء العنف ووسائله موجودة على الارض كالقهر الاجتماعي والظلم إضافة الى آفة الفساد التي تعدّ احدى مسببات العنف والارهاب. وقد يقلّ مستوى العنف وبشاعته في مرحلة ما بعد داعش لكنه قد يستمر في اماكن اخرى وبطرق مختلفة تتناسب مع الظروف، فجميع التنظيمات المتطرفة تسعى لخلق بيئة مناسبة لها وحاضنة اجتماعية تعزز قدراتها على الارض. كما ان هناك الكثير من عصابات الجريمة المنظّمة الّتي تمارس عمليّات الخطف والاغتيال بشكل واضح امام عجز مؤسسات الحكومة الامنية التصدي لها وذلك لأسباب عديدة، إضافةً إلى دور المليشيات الكبير في تنامي ظاهرة العنف وإرباك المشهد الامني وهي الاخرى تسير بحرية دون اي رادع لها . وقد يصل الامر في بعض الاحيان إلى عدم استنكار ما تقوم به تلك المليشيات “السائبة” من جرائم بشعة.

وعن مستقبل أعضاء داعش الباقيّين لا سيّما العراقيّين منهم فإنّ مصيرهم القتل او الاعتقال فلا مناص من نيلهم العقوبات التي تتناسب مع حجم جرائمهم.

س3- وماذا عن مستقبل الحشد الشّعبي، هل من رؤية واضحة ام محدّدة حول هذا الموضوع؟

ج- مستقبل الحشد الشعبي في العراق يحدّده الصراع مع داعش الذي وصل الى مراحله النهائية كما يرى مراقبون وانا منهم. إضافة إلى ذلك فيما يخصّ الوضع الامنيّ في البلاد فكلّما تحسّن ذلك الوضع كانت الحاجة إلى وجود هكذا مؤسسة غير مبرّرة. الفصائل المسلحة المنضوية تحت مظلة الحشد تنقسم الى عدة اقسام هي :

أوّلاً: الفصائل الموجودة قبل احداث داعش اي منذ العام 2003،

ثانياً: الفصائل المشكّلة بعد فتوى المرجعية،

ثالثاً: الفصائل المشكّلة من مليشيات ولاءها لإيران سرّاً وجهراً،

رابعاً: الفّصائل المشكّلة من ابناء العشائر السنية،

خامساً وأخيراً: الفّصائل المشكّلة من ابناء الاقليات (المسيحيّون، الشّبك، اليزيديّون).

إنّ التّعامل مع هكذا مجموعات يحتاج الى طرق واساليب عديدة تحدّدها الظّروف العامّة فالحكومة العراقية الحاليّة تقبع في موقف لا يحسد عليه تجاه هذه القضيّة الشّائكة إذ أنّ الفّصائل الموجودة منذ عام 2003 وربّما ابعد من ذلك لن تخضع لأيّ قرار من شأنه أن يكبح جماحها فهي لم تخضع لقرار سابق خاص بدمج المليشيات في المؤسّسات الأمنيّة إذ ابقت جزءاً كبيراً من عناصرها خارج إطار مؤسّسات الدّولة وهذا ما اتّضح بعد مرحلة داعش حيث برزت العديد من المسميات على الارض معلنة عن نفسها ومتبجّحة بنشاطها المخالف لتعليمات قرار دمج المليشيات. امّا بخصوص الفصائل التي تشكلت بفتوى المرجعية فهي الاقرب الى تنفيذ ما توجّهه المرجعية الدّينية وهنا لا يمكن ضمان موقف المرجعيّة إذا ما طلب منها الايعاز بأن تحلّ نفسها أو تنخرط في مؤسسات الدولة، ذلك باستثناء تلك المقلّدة للزعيم الديني الوطني (مقتدى الصدر) والّتي تمتثّل لأوامره التي تدعو إلى تحجيم دور كلّ ما هو خارج عن القانون. وتأتي هنا العقبة الابرز في هذا الشّأن وهي تلك الخاصّة بالفّصائل الموالية لإيران والتي تأخذ منها تعليماتها مباشرة إضافة الى تلقّيها كافّة اشكال الدّعم وهذا ما سيجعل قرار حلّها أو دمجها متوقّفاً على موقف ايران من الوضع العراقي وهو موقف صعب سيما مع التّصعيد الدّولي القائم تجاه القضية الايرانية. امّا تلك الفصائل المشكّلة من ابناء العشائر السنية فهي تمتلك قضيّتين لا ثالث لهما تتمثل الاولى بمحاربة داعش واستعادة المناطق السنّية وهذا ما تحقّق في مساحات شاسعة من البلاد. قضيّة أخرى مهمّة هي انخراط عناصرها بحثا عن لقمة عيش بعد انهيار مؤسسات الدولة ومنها الأمنيّة في المناطق السنّيّة ليجد أبناءها انفسهم على قارعة الطريق وفي وضع صعب دفعهم للبحث عن وسيلة تسد رمقهم وبالتالي لم يجدوا كوسيلة لتحقيق غاياتهم غير الانضمام للفّصائل المشكّلة. وبخصوص الفصائل المسلحة التي تتّبع اقليّات عرقيّة واثنيّة كالمسيحيّين واليزيديّين والشبك فإنّ موقفهم من حلّ تلك الفصائل او دمجها مرهون باستعادتهم لحقوقهم وتعويضهم لجميع خسائرهم في مرحلة داعش إضافةً الى سعي البعض منهم للتربح على حساب الصراع القائم وهذا ما يحتاج الى جهد ووقت كبيرين اضافة الى موارد هائلة. إنّ العقبات التي تواجه الحكومة العراقية في هذا الصدد كبيرة جدا فالتركة التي خلفتها مرحلة الصراع ثقيلة وهذا ما يتطلب وقوف الجهد الدولي مع العراق في ازمته هذه مخافة من تفاقمها. إنّ الحلّ الامثل لهذه المسالة يتمثل كما ارى بسنّ قانون يلزم جميع الفصائل المسلحة الخارجة عن القانون بالانخراط  في رحم المؤسسات الامنية او إعلان حلّ نفسها كي يتمكّن النّظام من اخذ مجراه اولا ومن ثمّ محاسبة المخالفين للقانون. و على الحكومة التّعامل مع الموقف المقبل بحكمة وحزمة فلا يمكنها الانفراد بإحداهما كي لا تتأزم الامور اكثر ونذهب لصراع جديد لا تحمد نتائجه.

س4- المعضلة الأخرى وربّما القابلة للتّفجّر عاجلاَ ام آجلاَ هي تلك المتعلّقة بالمسألة الكرديّة، كيف ترون آفاق المستقبل القريب حول هذه المسألة خصوصاً الآن وقد أقيم استفتاء حول مستقبل الإقليم؟

ج- المتتبّع للشّأن العراقيّ منذ عام 2003 سيما جميع المواقف المعلنة من القضية الكردية يجد هناك تعرّجات واضحة في الموقف من تلك القضيّة، فعند حاجة البعض لاستمالة الكرد نحو مسالة ما، تجده يجاملهم تجاه قضيتهم ويمنحهم ضمانات تطمينيّة سرعان ما تتلاشى بعد حصولهم على ما يريدون وبعدها يتم القفز على تلك الضّمانات وانكارها وهذا ما تم في عدّة اتّفاقات ابرمت مع الطرف الكردي آخرها كان اتّفاق اربيل الخاص بتشكيل حكومة المالكي الثانية العام 2010 حيث يتّهم الجانب الكردي الموقّعين على تلك الوثيقة بحنثهم بالعهد وعدم تنفيذ اي من البرامج المتفق عليها في تلك الاتفاقية. إنّ المسألة الابرز في قضية الكرد هي مسألة تجميد الازمات القائمة من قبل ذوي الشّأن وبطريقة متعمّدة وترحيلها الى مراحل زمنية مقبلة دون إيجاد حلول ناجعة وهذا ما حصل في المادة 140 من الدستور العراقي حيث لم يتمّ تطبيق ايّ من نصوص تلك المادّة على الارض حتى انتهاء فترتها الزمنية عند الحادي والثلاثين من شهر كانون الاول سنة 2007.

المسالة الكردية بطبيعتها هي مسألة اقليمية إن لم نقل دوليّة تهمّ مجموعة دول محورها العراق اضافة الى تركيا وسوريا وايران وهذا ما يتطلب شبه اجماع على المواقف المتخذة إزاء هذه القضية، كما أنّ تمسّك الإقليم بمناطق يراها المركز اراض تابعة له هذا ما فاقم الازمة منذ عام 2003 وتسبّب في حدوث شرخ كبير آخره تصويت اقليم كردستان على إجراء الاستفتاء الخاص بإعلان الاستقلال عن العراق في الخامس والعشرين من ايلول  من هذا العام وهو موقف شنّج الاجواء بين المركز والاقليم واسهم في إطلاق تهديدات تنذر بحدوث صراع داخليّ ستكون نتيجته الخسارة لجميع اطرافه. وعن المستقبل القريب لهذه القضية فيمكننا انتظار ما ستؤول اليه المرحلة القائمة الآن وقد أقيم الاستفتاء جمعاً مع مرحلة انتهاء الحرب مع داعش في العراق وفي المنطقة. في حال احتكمت اطراف الازمة الى ترجيح الدبلوماسية في حلّ تلك المسالة فيمكننا انهاء هذا الملف بالتراضي وخروج الجميع منتصر.

س5- وماذا عن التّدخّل الخارجي سواءَ كان من قبل إيران أو الولايات المتّحدة او روسيا أو غيرها من الأطراف الخارجيّة؟ هل ترون انّها ستتمسّك بالبقاء في العراق ام انّها تسير نحو آفاق أخرى؟

ج – هناك اتّفاقيّة امنيّة وقّعها العراق مع الولايات المتحدة الاميركية في عام 2008  حيث ينصّ احدى بنود هذه الاتفاقية على قضيّة (نشوء أي خطر خارجي أو داخلي ضد العراق أو وقوع عدوان ما عليه من شأنه انتهاك سيادته أو استقلاله السياسي أو وحدة أراضيه أو مياهه أو أجوائه أو تهديد نظامه الديمقراطي أو مؤسساته المنتخبة ) وهذا يتيح للولايات المتحدة الأميركية حينئذٍ إمكانيّة ان تتّخذ جميع الاجراءات التي تعتقد انّها مناسبة والتي تشمل الدبلوماسية منها اضافة الى الاقتصادية أو العسكرية اذا ما تطلب الامر أو حتّى أي اجراء اخر للتعامل مع مثل هذا التهديد. ووفق هذه الاتّفاقية والمعطيات فإنّها تحاول انهاء نفوذ ايران في البلاد فيما تسعى الاخيرة لبسط نفوذها كما تحاول روسيا ايجاد موطأ قدم لها ايضا في هذه الازمة للحفاظ على ماء وجهها اوّلاً وسمعة وتاريخ الاتحاد السوفيتي ثانياً. فعمل السنوات السابقة لإيران لا يمكن تركه هباء منثورا تحصد نتائجه الخصوم. لقد عززت من ادوات نفوذها في السيطرة على المشهد العراقي على كافة المستويات سيّما عسكرياً عبر زرع مليشيات تدين بالولاء المطلق لها، إضافةً الى سيطرتها مذهبيّاً على الشارع العراقي الشيعي اذ تستطيع تحريكه وفق أيدولوجياتها المرتكزة على حماية المذهب الشيعي وتصدير ثورة الخميني .

إنّ التّدخّل في الشّأن العراقي سيستمر بحسب ما تبحث فيه هذه الدول عن مصالحها: ايران مصرّة على ابقاء العراق خط التماس بينها وبين الدول العظمى، اوروبا لا تفكّر إلّا بكون العراق الممرّ الامثل للغاز الطبيعي القادم عبر ايران من ديالى وصولا الى سوريا ومنها الى البحر المتوسط، روسيا تستخدم ايران والنّظام في سوريا لمناهضة المشاريع الاميركية في المنطقة بمنطق اثبات الوجود لا بمبدأ براگماتي او لهدف جيوسياسي. يشجّع على ذلك واقع العراق السياسي بعد ٢٠٠٣ بوجود طبقة سياسية حاكمة مازالت تسيطر عليها افكار المعارضة وادعاء المظلومية وتكريس تبعية حتميّة لإيران، هذا بمعزل عن التوجه ( الشعبي ) العربي السني الذي يحاول ان يجد له منقذاً عربيّاً في ظل وجود افكار محددة وثابتة كردية لا تتغير بسهولة بسبب نضج التجربة السياسية الكردية وكونها نوعاً ما مرسومة بطريقة افضل تجتمع فيها العوامل الاقتصادية والانفتاح على جميع الافكار مع ضمان بقي الرأي الكردي موحّداً في جميع القضايا المصيرية. العراق لم يعد عراقاً واحداً وعلى الجميع ان يعلم انه ثلاث دويلات مقسّمة بحسب نفوذها وقوّتها بين شيعة وكرد وسنة من الاقوى الى الاضعف وهذا ما يترتب على توحيد المواقف اضافة الى كمية الدعم الخارجي التي تتلقاه تلك الدويلات ان صح القول.

س6- ما هو تقييمكم لطبيعة النّسيج العراقي اليوم ومستقبله الوارد؟ تماسك أم تفكّك؟ وفي ايّ اتّجاه؟

ج٦-  النسيج العراقي هو كلمة شعاراتية اكثر من كونها كلمة حقيقية، او بالأحرى باتت تبنى على اساس عرقي او مذهبي لذا فالكلام عن نسيج عراقي اصبح ضرباً من الخيال، فالشقاق وصل بالعراقيين (البسطاء) لمحاولة ايجاد فئوية جديدة تحت اي مسمى لتشكيل اي رأي عام ضاغط مهّد لذلك وفرة الاحزاب والحركات السياسية ومنظّمات المجتمع المدنيّ بل وحتّى هنالك من بدأ يحاول لملمة نسيج عائلي قد لا يمتدّ لأكثر من جيلين يوفّر له الحماية من مجتمع تشتّت. يمكننا قول إن المواطنة انتهت وما تبقى فقط الانتماء الفئوي الضيق، والسّبب في ذلك يعود الى انهيار جميع المنظومات القيمية والاخلاقية. فالفاسدون يتصدّرون المشهد وقد اصبحوا يكوّنون المثل العليا للناس الذين باتوا يعتبرون الفساد الجالب للمال والسلطة مغنمه او حظوة، كما أنّ الّذين لا يبحثون عن هذه الامور يعانون الامرّين ويبقون بمثابة نكرات لا قيمة لهم ولا حتى لحياتهم. المنظومة الدّينية كالأوقاف قمّة الفّساد لذا فقد رجل الدين هيبته التي افقدت حتى الدين هيبته. المنظومة العسكرية التي كانت تجمع العراقيين ايضاً باتت مكرّسة لخدمة جهوية وتشيّعت الى حدّ ما، وامور اخرى كثيرة مؤلمة حقا. كل ما ذكرت كان واقع الحال لا اكثر، لكن يبقى ايماننا المطلق بالمقبل من الايّام التي قد تبشّر بخير بسيط لكنه كفيل بإعادة الامل الى المجتمع العراقي سيّما بعد مرحلة داعش التي فرّقت العراقيين في بدايتها واحدثت شرخاً عميقاً على مستوى الافراد والجماعات وحفرت عميقا في الاماكن التي لوّثها التنظيم في بادئ الامر، لكن بعد انكشاف اوراق اللعبة اصبح العراقيون اكثر تماسكا ولحمة فيما بينهم واتّضح لهم ان لا سبيل للتّقدّم سوى عبر مجتمع متماسك يعترف بالآخر بغض النظر عن طائفته.

س7- واخيراَ ما هي نصيحة المواطن العراقي الوطني المتمسّك ببلاده والّذي أنتم نموذج عنه لأخوته في العراق؟

تعزيز روح المواطنة والغاء التهميش والاقصاء الذي انتجته الحقبة السابقة وعدم الانجرار خلف تصريحات السّياسيّين وماكناتهم الاعلامية قد يسهم في اعادة البنيان العراقي الى سابق عهده فضلاً عن تشكيل لوحة جديدة بعيدة تعبّر عن جوهر الوطنية الحقيقية. السّياسيّون في العراق هم احدى الاسباب الرئيسة للطائفية في البلاد فمع اقتراب موعد غنيمتهم الكبرى (الانتخابات) يبدأون بالعزف على الوتر الطائفي وتخويف الآخر من الآخر ورسم نماذج افتراضية لأعداء لدودين يصبحون اصدقاء مقربين مع توافق المصالح المشتركة بعد انتهاء لعبة الانتخابات المربحة. الوسيلة الوحيدة المنجية للخلاص من جميع تراكمات الحقبة الماضية والحالية تكمن في رفع الهويّة الوطنيّة عالياً مع اخفاء الهويات الفرعيّة التي تدعو الى كل ما يتسبّب في الحاق الضرر بالمصلحة الوطنية العليا، فجميع الركام الذي نشاهده في البلاد اليوم كان سببه الاختباء خلف هويّات فرعيّة تتلاشى مع اوّل ضربة موجعة تمس فئة ما. الباحثون عن تمزيق اللحمة الوطنية العراقية لا يستطيعون فعل اي شيء حال توحدنا لكنهم يستطيعون فعل الكثير عندما نكون فئات مبعثرة مقسمة الى قوميات يمثلها ( العرب  والكرد والتركمان والكلدواشوريّين والشبك) واديان يمثلها (الاسلام والمسيحيون والايزيديون والصّابئة) إضافةً الى مذاهب دينية أو قناعات أخرى.

Back To Top