مقابلة مع احمد الفرجاني، مؤسس حراك “حكومة فزّان”

 

الجنوب الليبي كان ولازال، منذ اسقاط نظام معمر القذافي، بؤرة توتّر تشهدها ليبيا، فالكثير من الجماعات المعارضة – التشاديّة والسّودانيّة وغيرها من المليشيات المحلّيّة – وجدت في عدم الاستقرار السياسي ملجأً لها في ليبيا من خلال الجنوب.

ويلقى هذا الانفلات الامني بضلاله على الحالة المعيشيّة للمواطن، مع الاخذ بعين الاعتبار بأنّه، وبعد عدّة محاولات من الاجسام السّياسيّة السّابقة لبث الاستقرار والامن بالجنوب، تمكّنت قوّات جيش الشّرق بقيادة المشير خليفة حفتر من بسط سيطرتها على المنطقة بالكامل.

إلا أن الشّكاوى من عدم الاستقرار المتمثّل بعمليّات السّطو والحرابة وتواجد مجموعات مسلّحة تمارس الاعتداءات على المواطنين بضواحي سبها وبعض المناطق الأخرى، اخذت ايضا بالتّزايد بالرّغم من سيطرة قوّات الشّرق على هذه المنطقة.

امّا الجانب الامني فيعدّ من ضمن الاسباب الّتي جعلت بعض النخب والقادة الاجتماعيّين من شيوخ القبائل والاعيان يطالبون بتشكيل حكومة محلّيّة باسم “حكومة فزّان” القصد منها تلبية الاحتياجات اليوميّة وتقديم الخدمات الاساسيّة للمواطن.

وعلى هذا الأساس، التقينا بـأحمد الفرجاني، مؤسّس حراك “حكومة فزان”، حيث كان لنا هذا الحوار معه.

 

بدايةً، هل توضّحون لنا أهداف الحكومة المزمع تأسيسها؟

اهدافنا واضحة: تأمين كافّة تراب الفّزّان وتطهيرها من عصابات التّبو المتحالفة مع داعش بعد طرد الجيش لحليفها السابق ابناء عمومتهم من التّبو التشاديّين والمعارضة التشاديّة عموماً. هذا ونتطلّع ايضاً إلى استرجاع كافّة حقوق اهالي الفّزّان المدنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة ولو أدّى ذلك لإغلاق كافّة مصادر الموارد وكذلك إغلاق المنافذ المؤدّية للشرق والغرب. ولا نريد أن نقول هنا “عليّ وعلى أعدائي” لأنّنا أبناء وطن واحد والحلّ لليبيا سيكون فزّاني إن شاء الله بعد أن ضُيِّع الوطن الشّرقاوي والغرباوي بسبب الصّراع الجاهلي الجهوي المتخلّف الّذي خاضه البّعض من أجل تحقيق مكاسب سياسية والسّيطرة على السّلطة بقوة السّلاح.

هل هناك أصوات محلّيّة أو حتى غير محلّيّة تريد هذا الطّرح؟

بخصوص الاصداء، نعم، هنالك تفاعل وتأييد كبيرين لتحبيذ حلّ يُطرح من داخل الفّزّان، امّا فيما يخصّ الاصداء غير المحلّيّة فالواقع أنّه لم يتم التواصل مع أي جهات خارجية الى الآن غير أنّ هنالك تواصل مع نخب متواجدة خارج الفّزّان.

هل ضعف أداء الحكومات السابقة كان سبباً في هذا التّوجّه؟

نعم، إنّ الضّعف والتّخبّط والصّراع على السّلطة وفشل الحكومتين في توفير حاجات وخدمات أهل الفّزّان وكذلك انقطاع كافّة الخدمات عن الفّزّان وعلى رأسها الأمن هو ما جعل أهل الفّزّان يفكّرون مليّاً في تقديم هذا الطرح الّذي اتى باسم عزّتهم ولعلّ هذا هو السّبب الّذي جعلهم يطلقون عليه اسم حكومة فزان العزة.

هناك من يقول إنّ هذه الحكومة سيقابلها الفّشل كون أن هناك تواجد على الارض لقوّة أمنيّة وعسكريّة تتبع لحكومة الشرق؟

نحن لسنا ضد أو مع أي طرف من الأطراف المتنازعة خاصّة إذا قاموا بمهامهم المناطة بهم وعلى رأسها توفير الأمن. ولكن، وللعلم، فبعد قدوم الجيش انتشرت عصابات داعش المتحالفة مع قبيلة التبو، بينما قبل دخول الجيش لم يكن هنالك وجود للدواعش. هذا ويشار إلى أنّ القوّة المذكورة في سؤالكم لا وجود لها على أرض الواقع فهي اسم فقط لا غير. نعم وصل الجيش وأدّى ما أدّى من مهام وتمّ بعد ذلك انسحابه في ظروف لم يفهمها أحد إلى الأن، تاركاً الفّزّان وأهلها يعانون القتل والذبح والتهجير.

ما موقف النّخب والقبائل من هذا الطرح؟ وهل تواصلتم معهم؟

نعلم بأنّ هنالك الكثير من النّخب والقبائل يريدون مثل هكذا طروحات، ولكنّنا لم نتواصل معهم إلى الآن حيث أنّ الطّرح حديث العهد بينما نحن الآن في طور إعداد الفّرق المنسّقة لتقديم طرح يتناسب واحتياجات كافّة أهل الفّزّان. ونعتقد بل ونتوقّع أن ينال الطّرح هذا تأييداً جيّداً حيث أنّ الارشادات الأوّليّة والمبنيّة على حديثنا والنّاس عموماً إيجابيّة إلى قدر كبير.

يمكن ان توضّح لنا بعض المبادئ أو الاسس التي تنطلقون منها؟

نعم. أوّلاً: من حقّنا المطالبة بحكومة للفّزّان تضمن لنا الأمن وتحافظ على حقوقنا.

ثانيا: عندما يتّفق الشّرق والغرب، سنكون معهما كما سنكون مع ليبيا ولن نقف ضدها. نحن لسنا انفصاليين لكنّنا نريد الحصول على حقوقنا بعيداً عن صراع الشمال.

فشعارنا واضح وهو التّالي كما سبق وذكرت: نعم لحكومة فزّان العزّة.

 

ختاماً، ما هو موقفكم ممّا يتردّد أنّ الدكتور علي زيدان رئيس الوزراء السابق انضم إليكم؟

هذا غير صحيح وحراكنا ليس له علاقة بأيّ شخصيّة سياسيّة مثال شخصية علي زيدان.

حوار اجراه محمد الصّريط

تقرير بالإنكليزي حول ليبيا والميليشيات وامكانيّات المضي قدماً

Eight years after the Arab uprisings, Libya shows no signs of recovering from the plethora of problems in which it became entangled. With the official fall of Muammar Gaddafi in October 2011, despite many difficulties, the country could have still headed towards a better future.  But disagreements, rivalries, and struggles for power took over, as exemplified by the early April 2019 battle for Tripoli. Currently, Libya is experiencing one of the worst crises in its history, ruled by insecurity, underdevelopment, humanitarian crises, trafficking of all sorts (human, drugs, weapons, and goods), political and sociopolitical fragmentation, and the absence of a strong government.

 

The dire situation in Libya is defined by another serious reality: the rule of militias. In the field of security, paramilitary actors are the backbone of the country; but because they are not organized as a part of a regular armythey have become one of the main sources of disorder and insecurity in Libya. With recent events, militias from the west did indeed gather under one umbrella with the aim of protecting Tripoli; however, this move does not aim to safeguard governmental institutions and the Tripoli-based Government of National Accord (GNA). In reality, militias are acting first and foremost in their own interests.

Is there an efficient way to compel militias to disarm and/or put themselves under the rule of an official governmental army? In reality, no. Strategies and efforts to disarm militias or circumscribe their role have all failed up to now. Militias and their leaders are fully aware that the political vacuum and prevailing uncertainties in Libya give them further power and influence; consequently, the end of their rule is not yet foreseeable.

This does not mean that the way forward to achieving stabilization – including through the disarmament of militias – would be out of reach; there is no doubt that stabilization will be achieved one day, and militias disarmed by then. Yet to achieve that, Libya’s regional, national and local specificities must be well-understood, and the way forward to solving the country’s core problems must be defined accurately.

This article will look at the strategies required to address Libya’s most pressing issues and challenges. After placing Libya in its regional context, it will discuss the main dynamics prevailing from a security point of view. The last part will be dedicated to the points that need to be quickly and seriously addressed if Libya is to move forward. (Continue reading)

عن مصرف ليبيا المركزي وانقساماته… حوار مع المحافظ علي الحبري

حوار مع الاستاذ علي الحبري، محافظ مصرف ليبيا المركزي الموازي بالبيضاء. 

 من ضمن أولوياتنا  دعم الدفع النقدي من خلال الأدوات الأكترونية .

عائق توحيد المصرف هو عائق فردي متمثل في شخص المحافظ .

 الرئاسي والأعلى للدولة هم من يدعم المحافظ في طرابلس.

يرى الكثير من المصرفيون وخبراء الاقتصاد، من خلال متابعتهم ورصدهم للواقع الاقتصادي، أنّ القطاع المصرفي في ليبيا “متدنّي” وذلك نظراً إلى مستوى الخدمات المصرفية في البّلاد مقارنةً مع مصارف باقي دول العالم.

 هذا ويرى البعض أنّ هذا الواقع يعدّ نتيجة لعدّة عوامل لعلّ من اهمّها الانقسام السياسي الذي ألقى بظلاله على المستوى الخدمي والمهني في هذا القطاع والذي تأثر كبقيّة القطاعات في ليبيا من جرّاء الانقسامات الواردة على الصّعيد الوطنيّ، بالإضافة لضعف التشريعات القانونية المتعلّقة بالقطاع المصرفي والتي يصفها البعض بحجر عقبة تقف امام تطوير الخدمات والقطاع المصرفي والبنوك في ليبيا.

وحول هذا الموضوع كان لنا هذا اللقاء مع محافظ مصرف ليبيا المركزي الموازي بالبيضاء الاستاذ علي الحبري، وذلك اثناء حضوره فعاليات « المنتدى السّنوي الثّاني لتطوير القطاع المصرفي في ليبيا » الّذي انعقد بمدينة بنغازي في أواخر شهر ديسمبر 2018.

وإليكم نصّ الحوار.

س/ استاذ علي الحبري، ما هو تقييمكم للمنتدى السّنوي الثّاني لتطوير القطاع المصرفي في ليبيا، ولفعاليّاته واهدافه؟

ج/ هذا الملتقى هو الثّاني المتعلّق بمناقشة سبل تطوير القطاع المصرفيّ بحيث يخرج من الآلية التقليدية الّتي يقوم عليها ويواكب التّطوّرات القائمة في البّلاد. المنتدى الأوّل سبق وعقد بالعاصمة التونسية العام الماضي، وشهد آنذاك حضور متميز للنّخب المصرفيّة في ليبيا ولعدد من الخبراء الأجانب. امّا النّسخة الثّانية من المنتدى فقد رأينا من المناسب أن تُنظّم داخل ليبيا، فوقع الاختيار على مدينة بنغازي، وبالفعل فقد كان الحضور فوق الجيّد وكذلك فيما يخصّ مستوى النّقاشات.

في الملتقى الأول، كنّا قد رأينا حضور شخصيّات اقتصاديّة وسياسيّة وحتى وزراء من حكومة الوفاق، كان من أبرزهم وزير التّخطيط الدّكتور طاهر الجهيمي، وشخصيّات مصرفيّة اكاديميّة ذو الشّأن العالي، وجرى نقاش مطوّل طيلة فترة انعقاد هذا المنتدى وقد كان هذا من ضمن الأسباب الّتي قادتنا لعقد نسخة أخرى داخل ليبيا تسمح لكافّة الليبيّين بمختلف توجهاتهم مناقشة موضوع مهمّ جدّاً بالنّسبة للدّولة الليبيّة وهو موضوع تطوير القطاع المصرفي. 

س/ وما هي المواضيع والمحاور الاساسيّة الّتي يتناولها المنتدى؟

ج/ هناك محورين مهمّين: الأوّل هو دعم الدّفع النقدي من خلال الأدوات الأكترونية كبطاقات الدفع المسبق والخدمات الهاتفية، وهي هنا تتجسّد في اداء شركات وساطة ماليّة تساهم في حلّ ازمة السّيولة من خلال البيع الاكتروني المباشر للمواطن والتوسّط بينه وبين التاجر، وهذا المنتدى يناقش السبل المتطورة بخصوص ذلك.

أمّا المحور الثّاني فهو يتعلّق بدعم المشاريع الصغيرة والمتوسّطة والكبرى من خلال توفير الدعم من قبل المصارف لمقدّمي المشاريع وكذلك تقديم المساعدات المالية وحتى اللوجستيّة والفّنّيّة لهم، وبالتالي فقد بدأت مناقشات فعّالة بالخصوص وهي مثمرة جداً، فمع تباين بعض وجهات النظر تمّ التّوضيح وقد ساهم في الاتّفاق على مخرجات ستكون ملزمة. 

س/ ماذا عن المعوّقات التي تواجه مسألة توحيد مصرف ليبيا المركزي؟

العائق الوحيد هو عائق فرديّ يتمثل في شخص المحافظ، “الصديق الكبير”،  والذي اقيل من قبل البرلمان وتم تعيين شخص آخر بدله وهو “محمّد الشّكري” الّذي يتمتّع بكفاءة عالية، ولو تمّ قبوله لما استمرّ الانقسام، ناهيك عن أنّ الشّكري اصله من المنطقة الغربية.

على العموم، نحن لا نريد الخوض في هذا الأمر لأننا نريد أن نجتاز أمور كثيرة من أجل توحيد المصرف والقطاع بصفة عامة.

س/ ما هي الأسباب إذاً الّتي تقود الصديق الكبير إلى عرقلة جهود التوحيد؟

لا اعلم ماهي الأسباب، إلّا أنّه بحكم تواجده بالمنطقة الغربية وقربه من أحد أطراف الخلاف في الازمة الليبية، يصعّب الأمور عموماً.

أضف إلى ذلك اهمّيّة دور أجسام كالمجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة وحتى مجلس اتّحاد المصارف حيث يفترض أن يكون لهم دور إيجابيّ في إقناع المعرقلين، لأنّ مصلحة الوطن أكبر من أيّ شيء. 

س/ هل هناك دول تدعم طرفاً على حساب الطّرف الأخر في موقفه؟

لا يوجد مثال لأيّ دولة تدعم هكذا منهج، وما يثار حول هذا الموضوع هو عال عن الصحة، الحقيقة هي أنّ الدّعم الحقيقيّ الّذي يتلقّاه المحافظ في طرابلس يأتي من قبل المجلس الرّئاسي والمجلس الأعلى للدولة وهما داعمين اساسيّين للمحافظ. 

س/ ماذا عن اجتماعات تونس؟

اجتماعات تونس التي جرت بين المصرفين لم تتناول جهود التوحيد، بل انّها قامت بتجهيزات وترتيبات تتعلّق بمسألة المكتب الذي سيشرف على مراجعة المصرفين ونفقاتهم. هذا وقد قمنا نحن بدورنا بتشكيل لجنة بالخصوص لإعداد التقارير الماليّة وغيرها من الأمور المهمّة وفق التقارير والمراجعات الدّوليّة وحتّى الأمميّة الّتي بإمكانها أن تشكّل أساساً يساهم في تقريب وتوحيد المصرفين. 

حوار اجراه الصحافي والباحث محمد الصريط

انتخابات مشروع الدستور… بداية لنهاية المرحلة الانتقالية؟ ـ محمّد الصّريط

انتخابات مشروع الدستور… بداية لنهاية المرحلة الانتقالية؟

يعتقد الكثيرون من مراقبي الشّأن الليبي أن أولى نواة الاستقرار في ليبيا ستتمثّل بوضع حدّ للخلافات حول الشرعية القائمة بين مجلس النّوّاب والمجلس الأعلى للدولة، وذلك من خلال تنظيم انتخابات جديدة تلغي جسمين اساسيّين متصارعين.

إلى جانب ذلك، ترد اهمّيّة تحديد الشكل القانوني للدولة وكذلك ضرورة الاتّفاق على شكل التعامل ما بين السلطة التنفيذية والمواطن، من خلال اعتماد عقد سياسيّ اجتماعيّ كامل متنوّع يطلق عليه اسم الدستور.

محاور إيجابيّة…

مسألة مناقشة مسودّة الدّستور وكذلك قانون الدّستور الّذي أعتمده البرلمان مؤخّراً وقدّمه للمفوضيّة العليا للانتخابات والتي بدورها وافقت عليه ليكون جاهزاً للتّصويت قريباً، اثارت الكثير من الجدل، حيث يرى قويدر إبراهيم، البّاحث المهتمّ بالتّشريعات الاقتصاديّة، أنّ نقاط الدستور سليمة من الناحية الشّكليّة وخصوصاً في ظرف اثبتت فيه التّجربة أنّ النظام البرلماني من الصّعب عليه أن يفكّ كلّ المعضلات. هذا ويرى قويدر ابراهيم أنّ الواقع هو أنّ الدّستور المقترح سيفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وهي نقطة مهمّة، يضاف إليها مسألة معرفة كيف للدّستور أن يسعى من خلال نصوص واضحة إلى الحفاظ على قيم الشريعة الاسلامية وهو امر عادل إذا ما قرأناه على ضوء المسائل المتعلّقة بقضايا الحكم المحلي.

هذا ويوافق قويدر، باعتباره رجل متخصص في التشريعات الاقتصادية، على ما نصّت عليه مسودّة الدّستور فيما يخصّ المواد الاقتصادية، حيث يصفها بالجيّدة لأنّها تقرّ الاقتصاد الحرّ وتضمن حقوق المستثمرين وتراعي البعد الدولي.

…ومسائل جدليّة

أمّا الإعلامي احمد المقصبي، مدير تحرير راديو المتوسط بالقاهرة، والّذي عمل بالقرب من لجنة صياغة وإعداد الدستور، فهو يعتبر أنّه “إلى الآن، وحسب ما يطرح في وسائل الاعلام المختلفة، فلا وجود لأيّ نوع من التّوافق على مسودة الدستور الليبي، خصوصاً في ظرف يتجاهل فيه هذا المشروع مطالب التّيّار الفيديرالي”.

هذا ويتابع المقصبي، معلّقاً على مسألة النّظام السياسي المقترح في المسودة، قائلاً إنّ “النّظام السّياسيّ الّذي كان سائداً في عهد الملكيّة في خمسينيّات القرن الماضي، إضافةً الى عائق مقاطعة مكوّنات التبو والامازيغ لأعمال هيئة صياغة مشروع الدستور بسبب عدم استجابة الاخيرة لمطالبهم، يصرّ على أنّ هناك خلل في هذا الجانب”.

وفي سياق متّصل، يقول أنيس الجالي، وهو قانونيّ وعضو مؤسس لحراك “لا لتمديد المؤتمر الوطني العام”، منتقداً المسودّة، إنّها ” تناولت مواد كان يفترض عليها ألّا تتناولها كونها من الحتميّات، والمقصود هنا مسألة الهويّة الليبيّة العربيّة الاصيلة الّتي يفترض عليها ألّا تكون محلّ نقاش، مثلها مثل مسألة الدّين الاسلامي المعتدل”.

هذا وينتقد الجالي ايضاً قضيّة الاعتماد الفيديرالي الغير معلن، حيث يعتبر أنّ “وحدة التّراب الليبيّ يجب عليها ألّا تكون محلّ نقاش وطرح”، رافضاً أيّ شكل من أشكال التقسيم وذلك تحت ايّ حجّة.

كما يضيف الجالي في انتقاده لمسودّة الدّستور انّها حسب ما يرى لم تنصّ على استقلاليّة الجيش الليبي المعترف به من قبل البرلمان.

بوادر لتعميق الخلاف؟

غير أنّ صلاح البكّوش، وهو محلّل سياسيّ، يرى أن البرلمان، باعتماده قانون الاستفتاء على الدستور واستحداث معيار التعليل – أي أن يصوّت المواطن بـ”نعم” ويوضّح لماذا قال نعم أو بـ “لا” ويوضح لماذا قال “لا” -، لعلّه اعتمد هنا إجراءً عبثيّاً قد يساهم في تعميق الخلافات في ليبيا.

غير أنّه، وفي نهاية المطاف، فالجدل ليس بالحجم والشكل الضّخم جدّاً، فالرّأي العام الليبيّ، حسب ما استنتجه مركز الأداء الاستراتيجي بعد طرحه أسئلة محدّدة لعينة عشوائية من ممثّلي المجتمع المدنيّ، يرغب في التصويت والموافقة على مسودّة الدّستور كونها تمثّل خطوة محوريّة في سبيل إتمام المرحلة الانتقالية والدخول في مرحلة الاستقرار.

محمّد الصّريط

باليرمو: الآمال والتّطلّعات المنشودة – محمّد الصّريط

باليرمو: الآمال والتّطلّعات المنشودة

“حسم الجدل الذي صاحب إنعقاد مؤتمر باليرمو بايطاليا والّذي يناقش آخر مستجدّات الازمة الليبيّة من خلال إيجاد آلية للمساهمة في حلّها بتراضي جميع الاطراف وتذليل كافة المعوّقات”… هذه كانت شعارات المروّجين للمؤتمر بينما كان الرافضون ومن خلال وسائل الإعلام الّتي تتبنّى وجهات نظرهم قد حكموا عليه بالفشل وذلك لأسباب عديدة نحاول في هذا التقرير تسليط الضّوء عليها سواء كان من خلال عرض جميع الآراء المتباينة أو عبر متابعة فعاليات مؤتمر باليرمو من الكواليس.

دار جدل كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي وحتّى قنوات التلفزيون الليبية لعلّ من ابرزها قناة الحدث المحسوبة على تيّار تفويض خليفة حفتر، وأيضاً قناة النّبأ المحسوبة على التيار الاسلاميّ السياسيّ وتحديداً “المقاتلة”، وقناة ليبيا الأحرار المحسوبة على جماعة الاخوان المسلمين، وقنوات الوطن وليبيا 24 المحسوبتين بدورهما على مجموعة النظام السابق، وبانورما ليبيا المحسوبه على تيار الثورة… حيث دار جدل كبير عبر هذه القنوات ووسائل الإعلام وتباينت وجهات النظر بين مؤيّد ومشكّك ومخوّن ومحبط للمؤتمر وبدأ الجدل من حيث الترويج لعدم حضور خليفة حفتر المؤتمر، ووصفه بؤتمر “الخيانة” لكونه انعقد بإيطاليا، المستعمر القديم لليبيا. وحتّى في اللحظات الأخيرة روّج مكتب القيادة العامة للجيش المعترف به من قبل البرلمان فكرة أن حفتر لن يحضر المؤتمر وذلك عبر صفحته الفيسبوك، وقد ساهم ذلك بشكل كبير في إثارة ردّة فعل أنصار ما يعرف “بالتّفويض” والّذين ساهموا في التأثير على الرأي العام – خاصّة في شرق ليبيا – من خلال التّشكيك في جدوى المؤتمر باعتباره وصاية جاء من مستعمر على حسب قولهم. أمّا أنصار البرلمان والمجلس الأعلى للدّولة فالبّعض منهم يرى أنّ نجاح أي لقاء توافقيّ قد يهدّد مصالحهم ولذلك فقد قاموا بدورهم بترويج فكرة أنّهم متّفقين على جميع الملفّات الشائكة ومنها اعادة هيكلة الرئاسي من جديد وهي نقطة خلاف استمرّت لسنتين.

وكلّ هذا الجدل وغيره كان يثيره الإعلام الليبي بقنواته ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير جداً، ولتوضيح الرؤى ووجهات النّظر أكثر فقد اجرينا عدداً من اللقاءات مع بعض الشّخصيّات السياسيّة والاكاديميّة وحتّى بعض المسؤولين فكانت هذه الحصيلة.

دور الدّول الاقليميّة السّلبيّ

يرى الاستاذ اسماعيل المسماري وهو عضو بلجنة الحوار التابعة للبرلمان في تعليق خصّ به مركز الأداء الأستراتيجي (ستراكتيجيا) “أنّ البرلمان ومن خلال الطرح الذي قدّمه والّذي وافق عليه المجلس الأعلى للدولة والّذي يقضي بإعادة هيكلة الرئاسي، يصبّ في منحى جلب الحلول الّتي تساهم في إنهاء خلافات كثيرة”، نافياً في الوقت نفسه الكلام القاضي بتجميد المجلس الأعلى للدّولة لهذا الطّرح نسبةً للخلافات القائمة في البرلمان. هذا ويرى الاستاذ اسماعيل المسماري أنّ بعض الدّول – ويقصد هنا تركيّا وقطر – ساهمت في تعميق الخلاف.

بينما يقول الباحث جبريل الرمحي المقيم في القاهرة إنّه “عند وصول خليفة حفتر قائد الجيش بالشرق لإيطاليا، طلب الرّئيس المصري عبد الفتاح السيسي عقد اجتماع ثلاثيّ خاص يجمعه بخليفة حفتر وبفائز السراج للتوقيع على “مسودة مصر””، وهي مسودّة اعدّت مسبقاً لتمكين خليفة حفتر من توحيد الجيش. إلّا أنّ السّرّاج رفض، معتبراً ذلك تدخّلاً من خلال ما يقال إنّه اسماها “لغة الفّرض والتدخّل المصري” بهدف الضغط عليه استعانة بالجانب الروسي.

هذا ويقول الرمحي إنّ الجانب التّركيّ، الذي غادر المؤتمر مبكّراً بعد أن ادان محاولات ما اسماها بـ”الضغط”، علّق على المؤتمر قائلاً إنّ دور ايطاليا كان يجب أن يقتصر على اجتماع الفرقاء والبحث عن الحلول لا الضغط والفرض. كما يضيف الرّمحي أنّ “الحكومة والدبلوماسية الايطالية حاولتا إرجاع الوفد التركيّ بعد الاعتذار إلّا أنّ تلك الجهود في إبقاء الأتراك فشلت”.

ويوضح الرمحي أنّ الصراع في ليبيا لا يمكن حلّه نهائيا إلّا بحلّ الخلافات القائمة بين الدّول الاقليميّة وبمعالجة الممارسات الّتي تقوم بها بعض الدول وهي ممارسات تزيد من عمر الازمة ولاخلاف.

عقيلة صالح – خالد المشري: خصومات علنيّة؟

أمّا الدكتور احميدة الهاشمي وهو المستشار السياسي السابق لخليفة حفتر فهو يختلف مع ما قاله جبريل الرمحي، حيث يرى أنّه “ليس لـ”قائد الجيش” ايّ دور في الخلاف الليبي بين البرلمان وخصومه في الغرب إذ أنّ ما يهمه هو الجيش وتطويره فقط لا غير كونه رجل عسكري وهذا مجال عمله”.

كما ينفي احميدة الهاشمي صحّة ما قاله جبريل الرمحي بخصوص ما يُزعم أنّه اتفاق خفيّ أقيم بين الرئيس المصري وخليفة حفتر بالتنسيق غير المعلن مع ايطاليا، ويضيف من ناحية أخرى أنّ خطوات توحيد الجيش تسير بخطىً جيّدة من وجهة نظره مضيفاً أنّه قريبا سيسمع المهتمّين بالشّأن الليبي خبر التوحيد.

وفي سياق متّصل، يقول خالد الترهوني استاذ العلاقات الدولية بجامعة طبرق أنّ نتائج باليرمو ستكون مخيّبة لآمال الليبيّين في حال ثبت فشل المؤتمر، موضّحاً أنّ جميع الاطراف السياسيّة تدرك أنّ إبعادهم عن المشهد سيكون من خلال إتّفاق حقيقيّ وهم يستغلّون الخلاف بقصد استمرارهم في التّواجد. كما يرى التّرهوني أنّ عقيلة صالح وخالد المشري يجرون اتّصالات سرّيّة لتقريب وجهات نظرهم ولكنّهم في العلن يُظهرون خلاف ذلك كون انصارهم لهم وجهات نظر تختلف ورؤى المشري وعقيلة.

فكرة عقد مؤتمر جام

وفيما يخصّ فحوى المؤتمر يرى خالد التّرهوني وجوب التّذكير بأنّه لم يكن هناك نقاشاً حول اتّفاق جديد بل نوقش الوضع الراهن في ليبيا سواء كان في العاصمة من خلال الترتيبات الامنية أو فيما يتعلّق بمسألة الاصلاحات الاقتصاديّة أو فكرة تحديد موعد للانتخابات لإنهاء هذه المرحلة أو حتّى مسألة الدّخول في مرحلة جديدة من خلال تنظيم مؤتمر ليبي جامع كبير.

ويضيف الترهوني أن أطراف النزاع سواء البرلمان أو المجلس الاعلى أو الرئاسي أو خليفة حفتر قد أُريد منهم الحضور الشّكلي فقط، فبعثة الأمم المتحدة الممثّلة بغسّان سلامة رسمت خارطة طريق جديدة منبثقة عن اتّفاق الصخيرات مضمونها الدّعوة لمؤتمر كبير جامع لجميع الاطراف دون استثناء بقصد التّوافق على عقد انتخابات رئاسية وتشريعة تساهم في حلّ الوضع القائم في ليبيا.

أمّا في نهاية المؤتمر فقد أصدر المشاركون نقاط تفاهم تجمعهم يرون من خلالها أنّه من الضّروريّ إنجاز الإطار الدستوري وحمل العمليّة الانتخابيّة وذلك بعد أن حدّدوا شهر الثّاني من عام 2019 القادم موعداً لانطلاق إجراءات الانتخابات في ليبيا.

وحول الجهود المصريّة المبذولة لتوحيد المؤسسة العسكرية، فقد أعرب المشاركون عن دعم الحوار بقيادة مصر في بناء مؤسسات عسكرية موحّدة تتمتّع بالمهنيّة والمساءلة تحت السلطة المدنية. هذا وقد اكّد غسان سلامة المبعوث الاممي لليبيا من ناحيته التزام قائد الجيش بالشرق الليبي بمبادئ نتائج المؤتمر وبخطّة الأمم المتحدة الخاصّة به.

التّقرير من إعداد الصّحفي والبّاحث محمّد الصّريط

ليبيا: عن الصّراع على النّفوذ ودور القيادات العسكريّة

ليبيا: عن الصّراع على النّفوذ ودور القيادات العسكريّة 

في منتصف عام 2014، في الشق الشرقي لليبيا، أطلقت مجموعة من الضبّاط والعسكريين عمليّة في شرق البلاد وتحديداً ببنغازي، وقد صادفت خطوتهم هذه رفعهم شعار “محاربة الارهاب” في ظرف كانت المدينة وسكّانها يعيشون فيه على وطأة انفلات أمنيّ غير مسبوق، ممّا اتى لضبّاط الجيش بحجّة لمواجهة هذا الانفلات.

إلّا أنّ عدداً من الضّبّاط رفض هذا التصرف كونه منبثق عن مجموعة مكوّنة في الغالب من كبار في العمر أو من أناس كانوا قد مكثوا خارج ليبيا لفترة طويلة. ولعلّ من أبرز هؤلاء الاشخاص “خليفة حفتر” الذي كان على رأس أولئك الضباط الّذين لم يمتثلوا بالجهات الشرعية – أي المؤتمر الوطني العام – في ذلك الوقت كونهم كانوا يعتبرونه سبباً في تفاقم وتدهور الوضع الامنيّ في البلاد. ومن ثمّ فقد وجب عليهم الخروج بهذه الطريقة ومن هنا بدأ الصّراع السّياسيّ والعسكريّ في ليبيا وتحديداً في شرق البلاد، قوّات خليفة حفتر الّتي كان يطلق عليها اسم “عملية الكرامة” دخلت في معركة مع القوّات المواجهة لها وهي مجموعات مسلّحة مموّلة من قبل بعض اعضاء المؤتمر الوطني العام الذين ساعدوا على تزويدها ايضاً آنذاك بالسّلاح الآتي عبر جرّافات.

واستطاع خليفة حفتر أن ينتزع اعتراف البرلمان به وذلك بعد أشهر من تأسيس عمليّة الكرامة، وسمحت له هذه الشّرعية بالانتقال من مسمّى عملية الكرامة إلى “الجيش”، وانضوت حينئذٍ للجيش الجديد مجموعات من الضباط الكبار والمعروفين منهم من كان ضمن قيادات عسكريّة في النظام السابق، ومن هنا نذكر أبرز مراحل تأسيس الجيش الليبي. 

اهمّ مراحل تأسيس الجيش الليبيّ

بدأ تأسيس الجيش الليبي في ال٩ من شهر أغسطس عام 1940 بمنطقة ابورواش بالإسكندرية، وذلك قبل استقلال ليبيا. وبعد الاستقلال وتحديداً عام 1951، بدأت الحكومة الليبية في تفعيل الجيش المكوّن آنذاك من كتائب صغيرة. في عام 1963 أنشئ السلاح الجوّىّ، وفي عام 1968 أسّست وحدة الدفاع الجوّيّ لتشكّل السلاح الجوّيّ بجميع أجهزته ودفاعاته ونظمه. وقد بلغ عدد افراد الجيش الليبي إبّان حكم الملك ادريس ما يقارب ال650 ضابط وال10 ألاف جندي.

وفي مطلع سبتمبر من عام 1969، سيطر الملازم معمر القذافي، البالغ من العمر 26 عاماً آنذاك، على البلاد من خلال انقلاب عام 1969 والّذي تمكّن من خلاله التّحكّم الكامل بليبيا بفضل تعاونه مع ضبّاط من الجنوب والشرق والغرب كانوا قد دروا مع بعضهم البعض في ثكنات مدينة سبها وبنغازي ومصراته.

ومن ثمّ استخدم معمّر القذّافي الجيش لدعم انقلابه في المراحل الاولى من حكمه بعدما عطّل الدستور والأجهزة ألأمنية واستحدث ما عرف وقتها         بـ” الحرس الجمهوري” الّذي فرض حظراً للتّجوال استمرّ ثلاث سنوات – أي لغاية مطلع عام 1973 – ونال بشكل اخصّ المدن الكبيرة.

وفي شهر مارس 1977، أطلق القذافي ما عرف بنظرية “العالميّة الثالثة” والتي تضمّنت العديد من الرؤى منها أنّ الشّعب مسلّح أو أنّ الجيوش النظامية تقوّض الحرية والديمقراطية، ومن هنا برزت عدة كتائب امنيّة مدنيّة مسلّحة تعاد بمثابة مليشيات مؤدلجة فكريّاً اصبحت تقصي وتصفّي كلّ من له رأي يخالف فكر “القائد”، لعلّ أبرزها اللجان الثورية وحركة التطهير وحركة البركان. 

تحوّلات ما بعد حرب التشاد

وفي عام 1987، بعد انتهاء حرب تشاد وهزيمة الجيش الليبي بسبب ما قيل إنّها كانت اخطاء تكتيكيّة من قبله، قام القذّافي بوضع الجيش موضع المستهدف ومراقبة جميع الضبّاط الكبار وتقييد تحركاتهم.

امّا حركة الانقلاب الفاشلة عام 1992 الّتي قادتها مجموعة من ضباط “ورفلّة” بني وليد فقد ساهمت في تقليص دور الجيش بشكل كبير جدّاً حيث سمح لأول مرّة معمّر القذّافي للضبّاط الكبار أو حتّى الصّغار أن يتقاعدوا بعد أن اعتبر ذلك ولوقت طويل من المحرّمات.

والعقوبات الدّوليّة الّتي فرضت على ليبيا على خلفيّة قضيّة لوكربي وتفجيرات بار برلين كان للجيش نصيب كبير فيها، حيث حدّت من قدرة الجيش على التّسلّح أو تزويده بالتقنيّات، واستمرّ هذا الحال حتى عام 2011 حين انهارت هذه الكتائب الامنيّة الّتي كانت تعمل على حماية القذافي بالدرجة الأولى وتفتّتت وتجمّعت على شكل مليشيات منها من يؤمّن العاصمة ومنها من يقرّر الرّجوع للثّكنات ببنغازي وبالشّرق عموماً.

 وباختصار فإنّ دور الجيش في الاحداث السياسية في ليبيا في هذه المرحلة التّاريخيّة يعدّ محوريّاً كون انّ بعض قادته ما زالوا يعدّون الرّقم المهم في المعادلة السّياسيّة والاستقرار في ليبيا، ولعلّ هذا ما يدركه البعض على الرّغم من تعدّد مراكز القوى الحاليّ وتعدّد الطامحين في السلطة والذين يتلقّون دعماً اقليميّاً ودوليّاً يساهم بشكل كبير جدّاً في استمرار الازمة في ليبيا. 

محمد الصريط – صحافي وباحث بمركز الأداء الاستراتيجي

عن الأزمة الليبية… حوار خاصّ مع رئيس مجلس النّوّاب المستشار عقيلة صالح

عن الأزمة الليبية… حوار خاصّ مع رئيس مجلس النّوّاب المستشار عقيلة صالح

يتشرّف مركز الأداء الاستراتيجي بنشر هذا الحوار مع رئيس مجلس النواب الليبي السّيّد عقيلة صالح والّذي دار حول الخلاف وسبل إنهاء الأزمة القائمة في ليبيا. يتطرق هنا السّيّد عقيلة صالح إلى قضايا مهمّة كالمصالحة وأسباب عدم منحه الثقة لحكومة السّيّد فايز السّرّاج التي يعترف بها المجتمع الدّوليّ في ظرف يُعدّ فيه مجلس النواب طرفاً في الخلاف الليبي.

س – بدايةً، هل يمكن أن توضح لنا ما هي الخطوات التي يمكن أن يقدم عليها مجلس النواب باعتباركم طرف في المسألة الليبية وذلك ايضا من أجل الوصول إلى تحقيق توافق حقيقي ونهائي يسهم في حل الخلاف ويرضي الجميع؟

ج –  في البداية يجب توضيح انّ مجلس النوّاب هو جهة شرعية تمّ انتخابها من قبل الشعب الليبي مباشرةً وهو – البرلمان – يمثّل الليبيين بمختلف توجّهاتهم ورؤاهم، وبالتّالي يقوم مجلس النوّاب بالعديد من الاستحقاقات الوطنيّة الّتي يتطلّع إليها الشّعب الليبيّ، ومن هذا المنطلق فإنّنا في مجلس النواب لا نعمل فقط كجهة تشريعيّة بل ايضا و “لـلخصوصيّة الليبيّة” نسعى إلى دفع الفعاليات الليبية مثل الحكماء والأعيان وشيوخ القبائل وغيرهم من قادة الرأي العام في ليبيا بحسب تأثيرهم في محيطهم السياسي والاجتماعي وذلك من خلال هيئة تقصّي الحقائق أو المصالحة التّابعة لمجلس النّوّاب، وبهذا فإنّ مجلس النوّاب كجهة تشريعيّة يختصّ بإصدار القوانين التشريعية ونظراً لظروف البلاد ايضا يستخدم الجوانب المتاحة في حل الخلاف الليبي وهذا موثّق.

مجلس النّوّاب كجهة تشريعيّة يسعى إلى تحقيق مطالب الشّعب الليبيّ خاصّة تلك المتعلّقة بإقامة أسس الدّولة الفّعليّة كالفّصل بين السّلطات والتداول السلميّ للسلطة وتطبيق القانون، وكلّها أمور نادت ايضاً بها ثورة فبراير.

دولة المؤسّسات الّتي اشرت إليها لا تقوم إلّا على أسس دستوريّة وقانونيّة سليمة فالشعب الليبي انتخب هيئة صياغة الدستور وهي معنيّة بإعداد مسودّة مقترحة لدستور دائم، وهذا ما حدث بالفّعل حيث اعدّت هذه الهيئة دستوراً مقترحاً للشّعب الليبيّ وقدّمته لمجلس النّوّاب وهو بدوره – البرلمان – لا يستطيع أن يقبل او يعتمد الدستور إلا بعد عرضه على الشعب، فدوره فقط إصدار قانون يتعلّق بالاستفتاء على الدستور، والشّعب هنا هو الوحيد المخوّل بذلك وهي قاعدة قانونية واضحة.

أمّا مجلس النّوّاب فقد تأخّر في إصدار أو إعتماد قانون الاستفتاء وذلك نتيجةً لبعض الخلافات بين اعضائه وهو أمر طبيعي ومنطقي في عرف البرلمانات، غير أنّه هنا فقد جاء الاحتجاج من قبل “إقليم برقه” الذي رفض المقترح والدستور بالكامل معلّلاً أنّ عدد سكّان برقه اقلّ من إقليم طرابلس وبالتّالي آلية التصويت ستكون مجحفه في حقهم. ومن هنا بدأ الجدال والنّقاش الذي اخذ شكلاً طويلاً غير أنّه تمّ الاتفاق في نهاية المطاف على اعتماد ليبيا ثلاث دوائر انتخابية وهي: الفزّان، برقة، وطرابلس، وتكون الموافقة في كلّ اقليم على حدّ لأي قضيّة أو مسألة على موافقة 50+ 1 في كلّ إقليم.

ويأتي ذلك بهدف تساوي الأصوات ما بين الاقاليم الثّلاثة، وبالفّعل فقد عقد مجلس النواب جلسة بالخصوص ولكن ونتيجةً للخلاف القائم بين اعضاء مجلس النواب لم يتم اعتمادها وتأخّر ذلك، وهنا طالبنا من اللجنة الاستشارية بالمجلس أن تبدي رأيها بالخصوص ولكن اعتذرت اللجنة، طالبنا حينئذٍ الإحالة إلى اللجنة القانونية التّابعة لمجلس النّوّاب والتي بالفّعل وافقت على الرأي الذي قدّمته مكتوباً وينصّ على “تقديم توقيعات وموافقات مبدئيّة” يتمّ تضمينها لمعرفة الموافقين على مشروع الاستفتاء على الدستور وضمان عدم عرقلتهم اثناء الطرح من جديد، وبالفّعل هذا ماحدث فإنّ التوقيعات الأخيرة ما هي إلّا طلب لعقد جلسة حول مناقشة تعديل الدّستور وقانون الاستفتاء بعدما أن وقّع ما يقارب عن 130 عضو بالموافقة من أصل 210 عضو.

س – هناك من ينتقد التصويت على عقد جلسة لمناقشة تلك المسألة التي ذكرتها والمتعلّقة بقانون الاستفتاء وبتعديل الدستور من خلال الفيسبوك أو الاتصال المباشر، هل ترى أن هذا الإجرء قد يتناقض مع اللائحة الداخلية لعمل وتنظيم التصويت بالبرلمان؟ وبالتالي تواجهون مشكلة قانونية إجرائية اخرى؟

ج – لا، هناك خلط. ما حدث ليس تصويت ولم يكن هناك تصويت أصلاً، بل ما حدث هو تقديم مقترح ووافق عليه عدد من النّواب، وهو قد قدّم كتابيّاً ويجوز أن يقدّم حتّى شفوياً وهذا شيء دارج في رعف البرلمانات وليس بالأمر الغريب، أمّا مسألة التصويت على قانون الاستفتاء أو التعديل الدستوري فهي لا تتمّ إلّا من خلال إبداء النواب بمختلف توجّهاتهم ورؤاهم ضمن قاعة البرلمان.

س – بخصوص العقوبات التي جددها الاتحاد الاروربي حول شخصكم باعتبار انّه يعتبركم من “معرقلي الاتفاق السياسي”، ما هي الدوافع التي تعتقد أنّها تقف خلف هذا القرار؟

ج – قبل العقوبات، يجب الإشارة إلى أنّ هناك تدخّلات خارجيّة ايضا وفي السّياق ذاته أطماع داخلية تتمثّل في عدم إيجاد صيغة توافقية واستمرار حالة الخلاف وبقاء “الوضع كما هو عليه” وهو كما قلت لك هي انعكاس لحالة استمرار الفوضى لتحقيق منافع ومكاسب ضيّقه ونوع العقوبات هذه كنوع من التّدخّل.

وبخصوص العقوبات الشخصية أنبّه أنّ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنصّ ولا عقوبة إلّا بناءً على ارتكاب جرم، وهنا رئيس البرلمان لم يرتكب جرم بل على خلاف من ذلك نحن نبذل الجهود السياسية والقانونية والدستورية من أجل حلّ الخلاف بيننا، امّ الخلاف فهو قانونيّ ودستوريّ وليس سياسي.

وهنا أكرّر أنّ رئيس مجلس النواب لم يرتكب جرم لكي تفرض عليه عقوبات إلّا لكونه عضو بمجلس النواب، وعندما قُدّمت حكومة الوفاق بقيادة فائز السراج كنت من ضمن من رفضوا هذه الحكومة باعتبار أنّني ارى انّها ضعيفة ولا يمكنها قيادة ليبيا في هذه المرحلة الصعبة التي تمرّ بها البّلاد وهذا ما حدث بالفعل، الحكومة لها ما يقارب عن عامين ولم تتمكّن من انجاز استحقاق مهم وهو بسط الأمن وتوحيد المؤسسات الدولة.

س – ولكن اعتقد أن فرض العقوبات ليس فقط كونك رئيس البرلمان وانما كونك تحظى باحترام اجتماعي كبير ولذلك يرى “المهتم الأوروبي” إن صحّ التّعبير أنّك تملك القدرة الاجتماعية على تغيير الكثير من المواقف؟

نعم انا عضو بمجلس النواب كبقية الأعضاء وليس لديّ تأثير على النواب الّذين هم لديهم رؤى وتوجّهات تختلف فيما بينها وهي ظاهرة صحية، ولكن على الصعيد الاجتماعي فنعم، لديّ هذه الكريزمة وهي نعمة وهي مبنية على تاريخ احمد الله عليه ولكن لا يمكن أن افرض شيء على الليبيين وبالعكس من ذلك فقد قمت كواجهة اجتماعية بحلحلة العديد من الأمور الاجتماعية والسياسية في ليبيا وتواصلت مع العديد من النخب والقيادات الفعاليات الاجتماعيّة ولعلّ ازمة طرابلس الاخيرة كان لها دور في حل وتقريب وجهات النظر.

هذا ولا زلت أدعو إلى تحقيق المصالحة بين الليبيّين واستخدم كل ما املكه من قوى التأثر بين المكونات الليبية لتحقيق المصالحة على مختلف الأصعدة.

وبالرّجوع لمسألة العقوبات فهي كما قلت واسلفت لك ليس لها اساس قانوني بل أوجدت من أجل لي ذراع عقيلة صالح بهدف الموافقة على منح ثقة لحكومة السراج وهو موقف قانوني ودستوري إذاً وليس خلاف شخصي.

ولذلك وما عزز موقفي الشخصي الذي يستند لضوابط ومعايير قانونية ودستورية ان   من دعم ” حكومة الوفاق ” الوطني من نواب وغيرهم قد رجع عن موقفه مستنداً لنفس الأسباب والحجج القانونية التي استَنِدُ اليها، اي ما يقارب عن 80 % منهم اقتنع بذلك.

س – إذاً ما هي الرّسالة الّتي تقدّمها وتوجّهها للاتحاد الاوروبّيّ بخصوص تجديد العقوبات لك؟

ج – يجب إعادة النظر فيها خاصة أنها ذات بعد سياسي وليس قانوني كما قلت لك. العقوبات تفرض على جرم، وانا شخصياً رجل قانوني ودستوري لم ارتكب ما يعيق القانون والتوافق الليبي ناهيك عن أنّ التزامي باللوائح والقوانين هو جز مهم في تكوين الدولة.

وشخصيّاً أنا رجل أؤمن بالانتخابات والتداول السلمي للسلطة وقد سلنا كنواب مفوضية الانتخابات لإجراء الانتخابات والمعوقات هي جزء من الخلاف الليبي وليست مستحدثة.

س – ما موقفكم إزاء الأحداث الّتي جرت في طرابلس في الفترة الماضية؟

ج – بكلّ وضوح وصراحة اعتقد أن هذه الاحداث والاشتباكات الدامية يتحمّلها بالدرجة الأولى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني كونه أعطى وشرعن تلك المجموعات المسلحة واحتمى بها داخل العاصمة ولم يعمل على تفكيكها وإنهائها وهذا ايضا ينصب في مجمل المواقف التي تبنّيناها من حكومة الوفاق الوطني.

كما وبالدرجة الأولى فإنّ مجلس النّوّاب قد أصدر ومنذ تولّيه مهامّه التشريعيّة في عام 2014 قراراً بحلّ تلك التّشكيلات المسلّحة وصنّف جزءاً منها كتشكيلات ارهابيّة نتيجة الانتماءات الايديولوجية المتطرفة.

وايضا طالبنا العديد من المرّات بإنهاء تلك المجموعات المتطرفة والمسلحة وانهاء تواجدها بالعاصمة التي وللاسف اخذت طابعاً شرعيّاً نظراً لسياسات سيئة وارتجالية اعتمدتها حكومة الوفاق الوطني.

س – يتردّد أنّ هناك رفض من قبلكم أو من قبل البرلمان لمقابلة خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، رغم طلبه القدوم لطبرق ومقابلتكم والحديث معكم فيما يخص حلّ الخلاف والأزمة.

ج – أوّلاً نحن لسنا ضدّ أيّ مشروع مصالحة وتهدئة بين الليبيّين، ونحن نقف ونشجّع ولدينا العديد من المواقف الّتي قد لا يسع المكان لشرحها في هذه المقابلة، غير أنّني أؤكّد لك أنّه من حيث المبدأ ومن الناحية العرفية ايضا فنحن لا يمكن أن نصدّ او نرفض مقابلة الخصم مهما كان بيننا، فالوطن يستحقّ الكثير من التنازلات وكما قلت لك نرفض العيش دون ليبيا واحدة. ولكن هناك أسس قانونيّة ودستوريّة وهي مهمّة، فمن الناحية القانونية مسمّى “رئيس المجلس الأعلى للدولة” لا يوجد كون مجلس النواب لم يعتمد الاتفاق السياسي والتعديل للاعلان السياسي والذي ينص على أنّه بمجرّد أن يعتمد مجلس النواب الاتّفاق السياسي يتمّ تسمية اسم رئيسه بعد عشرة ايام من الاعتماد، وهذا ما لم يحدث. إذاً هناك خلل قانوني ودستوري. ايضاً هناك لجنة معنيّة بالحوار منبثقة عن مجلس النّوّاب هي الوحيدة المخوّلة بالتعديل والاتّفاق ومناقشة الاتّفاق السياسي.

حوار من إعداد وتقديم الصّحفي والباحث بمركز الأداء الاستراتيجي محمد الصّريط.

كلّ الحقوق محفوظة لصالح مركز الأداء الاستراتيجي.

عن أمازيغ ليبيا… حوار مع النّاشط عمرو سفيان

عن أمازيغ ليبيا… حوار مع النّاشط عمرو سفيان

لطالما كان يردد عدد كبير من الليبيين أنهم شعب ابيض لونه واحد لا يوجد عنده مزيج ألوان، وهذه الفرضية سرعان ما اندثرت خاصة بعد انهيار منظومة الحكم السابقة التي كانت تروّج لفكرة أنّ “الأمازيغ أصلهم عرب”. وإذا بشريحة واسعة من الليبيين تكتشف فجأة أنّ هناك أمّة ليبيّة تتكلّم نفس لكنتهم وتلبس نفس ملابسهم ولكنها ليست “عربية”. والذي زاد الاستغراب لدى البعض هو ظهور “علم الامازيغ” بشكل مفاجئ أيضاً، فطيلة العقود الاربعة الماضية لم يعرف الكثير من الليبيّين من هم الامازيغ تحديداً، أو حتّى هل هناك امازيغ في ليبيا.

 وحول هذا الموضوع كان لنا هذا اللقاء مع عمرو سفيان، الباحث والناشط الامازيغي، عضو برلمان الامازيغ وكذلك عضو بمؤسسة ابوليوس.

س – ما موقف بعض الامازيغ من مسودّة الدستور الليبيّ؟ وفي حال رفضه البّعض من الامازيغ فما هي الاسباب؟

ج – موقف الامازيغ جميعهم واضح جداً، فمنذ إجماعهم على مقاطعة انتخابات لجنة الدستور لم يشارك اي “أمازيغي ليبي” في انتخابات لجنة السّتّين نظراً لإيمانهم المشترك باهمية الحفاظ على تاريخهم ولغتهم وهويّتهم. ونظراً للطريقة الفاضحة التي حاول فيها بعض “العرب” أن يرسلوا فيها رسالة للأمازيغ فحواها أنّهم مواطنون أقل حقوقاً وأقلّ مواطنة من “العرب الليبيّين”، وقد ورد ذلك من خلال منحهم الامازيغ كرسيّين فقط – تمثيل دستوري وبرلماني مقبل – لسبعة مدن امازيغية وكذلك عدم موافقتهم على مشروع التّوافق الّذي اقترحه “المجلس الاعلى لامازيغ ليبيا” والذي تبنّاه الشارع الامازيغي وعبّر عنه عبر العديد من المظاهرات في المدن الامازيغية والعاصمة طرابلس.

فقد رفض حينها بعض الاخوة العرب إمكانيّة التّوافق واصرّوا على اعتماد منحى دكتاتوريّة الاغلبية والمغالبة، واليوم يستمرّ الشّارع الامازيغيّ في مقاطعته لهذه المسودة الّتي تؤكّد عدم المساواة بين ابناء الشعب الواحد في التفرقة بين مستوى حقوقهم اللغوية والثقافية وتجسّد المصطلحات العرقيّة العنصريّة في تأكيدات بأنّ ليبيا جزء من كيانات (عربيّة)، وكأنّه لا مهرب من الفكر العرقي المقيط عند كتابة هذه المسودّة الضّعيفة.

س – هناك مجموعة من الامازيغ قد وقّعت على المسودّة، وبمعنى أصحّ فهي موافقة عليها، هل هذا يعني أن هناك اختلاف في وجهات النّظر حتّى بين الامازيغ أنفسهم؟

ج – السؤال غريب جدا… لا يوجد توقيع اساساً على مسودة دستوريّة، وامّا عن الموافقة عليها فالشّارع الامازيغيّ رافض لهذه المسودّة بكلّ اشكالها وتجسيداتها، وقد برز ذلك عبر أمور عدّة من المظاهرات في الشارع إلى اجتماعات الحراك المدني وإلى القيادات المنتخبة وكذلك الممثّلين، وأضيف إلى ذلك أنّ مؤسسة ابوليوس أظهرت عبر استبيان لها قامت به في مدينة زوارة أنّ 91% من المشاركين يبرزون رفضهم القاطع لهذه المسودة.

وهذا امر منطقيّ جدّاً، فليس من المعقول أن تطلب من مواطن ما أن يوافق على مسودة دستورية تؤكد على أنّ حقوقه اللغويّة والثقافيّة هي أقلّ درجة من حقوق مواطنين من عرق اخر في ذات البلد وذلك باسم امتداد منطق الغلبة وكذلك استمراراً في موقف تاريخي قوميّ مبنيّ على فكرة تدمير التاريخ والثقافة الامازيغية. يذكّرنا ذلك بأنّ معمّر القذّافي كان قد اوضح موقفه من القضيّة بتزويره الكتب وفرضه المناهج التعليمية القوميّة المؤدلجة وقتل وقمع كل من تحدّث عن هويته وثقافته من الامازيغ.

س – ما موقفكم ممّا يتردّد حول فرضيّة أنّ الامازيغ يريدون تقسيم ليبيا أو الانفصال عنها؟

ج – اسم ليبيا (الليبو) هو اسم امازيغي بحدّ ذاته، ليبيا كلّها امازيغية التاريخ والهوية، ومع احترامنا الكامل وتشجيعنا للتّعدّديّة الثّقافيّة في ليبيا إلا أنّنا نرى التاريخ كما هو عليه، لذلك فإنّ فكرة التّقسيم هي فكرة ساذجة جدّاً بالنسبة للأمازيغ، فكيف لنا أن ننقسم على ذواتنا؟

فزّاعة التقسيم الجغرافي هي فزّاعة خلقها بعض القومجيّين العروبيّين بقصد إشعال الرّأي العام ضد الامازيغ، في حين أنّ خوف هؤلاء الحقيقي قادم من خوفهم من الاستقلال الثقافي للامازيغ وإنهاء التّبعيّة الثّقافيّة لفكرهم العرقي الذي اثبت فشله الذريع على كلّ الاصعدة.

س – شارك الامازيغ في حروب ضد الإيطاليّين ولهم بصمة واضحة في الجهاد ولم تقم مشاكل أو حروب من قبل المكوّنات الاخرى إزاء الامازيغ، كيف ينظر الأمازيغ لهذا الامر؟

الأمازيغ دائماً سوف يدافعون عن الوطن وقصص نضالهم تمتدّ لآلاف السّنين… واليوم سوف يناضل الأمازيغ من أجل تاريخ هذا الوطن وهويّته وحقوق ابنائه. ليس للأمازيغ مشكلة مع أيّ مكوّن أو كيان اجتماعيّ في ليبيا، مشكلتنا مع من يريدون سلب حقوقنا ولا يريدون أن نتساوى في الحقوق ولكنّهم يريدوننا ان نتساوى في الواجبات!

س – هل يرى الأمازيغ أنّ الحلّ يكمن في الاتفاق السّياسيّ المبني على التّوافق؟

بالطبع المجلس الاعلى ومنذ 2013 إنذر بأنّ ثقافة الإقصاء وتقسيم الكعكة بين رهبان العنف والسّلاح سوف تؤدي لسقوط لا مناص منه للمنظومة ككلّ.

اليوم يرى نشطاء الأمازيغ وقياداتهم السياسية أنّ التّوافق المبني على المساواة في الحقوق والاحترام المتبادل وتقبّل اللامركزيّة وتوزيع الموارد والسّلطات بشكل عادل وممنهج، وكذلك عدم فتح المساحة لرهبان العنف لفرض شروطهم ومطامعهم على ابناء الوطن، ستكون كلّها الخطوط العريضة لمشروع حلّ سياسيّ حقيقيّ.

حوار من إعداد محمّد الصّريط

المصالحة في ليبيا: حوار مع د. مفتاح المسوري

المصالحة في ليبيا… حوار مع د. مفتاح المسوري

لكم هذه المقابلة مع الدكتور مفتاح المسوري، منسق العلاقات الخارجية باللجنة التحضرية للمؤتمر الوطني العام الجامع (الليبي – الليبي)، الّذي تحدّث لمركز الأداء الاستراتيجي عن تفاصيل المصالحة والمعوّقات الّتي تواجه تحقيق الاستقرار في ليبيا من خلال رؤية المصالحة ما بين القوى المتصارعة على السلطة في ليبيا.

الدكتور مفتاح المسوري من مواليد وسكّان مدينة درنه، التحق بالسّلك الدبلوماسي عام 1975. تدرّج بالمناصب السياسية داخلياً وخارجياً حتى وصل لمنصب السفير عام 2004، ومن الجدير بالذّكر أنّه كان قد عيّن في عام 1977 المترجم والمستشار الخاص بالثقافة الفرنسية لمعمّر القذافي اثناء فترة حكمه.

كما تحصّل الدكتور مفتاح المسوري على العديد من الإجازات العلمية في الفلسفلة الفرنسية إلى جانب تخصّصاته السّياسيّة المختلفة الّتي سمحت له بتولّي مناصب كانت قد قرّبته من منظومة الحكم السابق.

تناولنا في هذا الحوار تفاصيل المؤتمر الجامع للمصالحة ما بين المكونات الليبية الّذي كان قائماً حتّى عدّة أشهر سابقة، حيث تحدّث إلينا الدكتور مفتاح المسوري عن تفاصيل العديد من المحاور التي مرّ بها والّتي تمثّل مشواراً هامّاً في الجمع ما بين الفرقاء الليبيين.

س- دكتور مفتاح المسوري، كيف تشرحون لنا الجهود التي بذلت منذ ان عزمتم على المضي قدماً في جمع عدد من المكونات الليبيّة تحت مظلة واحدة؟

ج – بالنسبة للتجهيز للمؤتمر العام الجامع (الليبي-الليبي) والّذي استمرّ خلال السّتة أشهر الأولى لعام ٢٠١٨م فقد تمثّل مجهودنا بالعمل من أجل تحقيق المصالحة ما بين الليبيين. هذه المساعي كانت قد بدأت بدورها في عام 2012م وذلك بعد تعيين الأستاذ محمد العباني آنذاك كمنسّق للمصالحة في ليبيا وهو عضو بالمؤتمر الوطني العام الجامع.

وفي عام 2016م تمّ الإعلان عن المؤتمر العام الجامع للمصالحة وعلى اساسه اجرينا العديد من المشاورات والمباحثات المطوّلة جدّاً والّتي استمرّت لأسابيع وشهور عدّة وقد ضمّت العديد من المكوّنات الليبيّة. وتمثّل هذا في الإتصال بالعديد من شيوخ واعيان القبائل وقادة الرأي من المجتمع المدني وكذلك العديد من ضبّاط الجيش في الشرق والغرب وضبّاط الأمن وكذلك قادة بعض المجموعات المسلّحة وعمداء البلديات إلى جانب المكوّنات الاجتماعية الأخرى كالأمازيغ والتّبو والطوارق.

هذا وقد قمنا ايضاً بتقسيم شرائح المجتمع الليبي إلى ستّة شرائح مستهدفة بالحوار واللقاء من اجل النقاش حول الوصول لميثاق مصالحة، وهم يمثّلون الفّئات التّالية: شريحة شيوخ القبائل والأعيان، شريحة المجتمع المدني وقادة الرأي العام، شريحة المرأة والشباب، شريحة ضبّاط الجيش في غرب وشرق وجنوب ليبيا، شريحة ضبّاط الأمن والشرطة، وشريحة المجموعات المسلحة.

كانت كلّ من هذه الشرائح قد قدّمت لنا من يمثّلها وهو المسؤول امامهم بالالتزامات التي يقرّها معنا فهو -الممثل- ينسق معنا ويتواصل معنا من أجل المصالحة، وكل هؤلاء الممثّلين لجميع كافة الشرائح كان من المتوقّع عليهم أن يشكّلوا لجنة تحضرية للمؤتمر العام الجامع للمصالحة.

فالواقع أنّنا كلجنة قمنا بإعداد العديد والكثير من الوثائق والمراسلات والإتصالات التي وضعت أسس ميثاق المبادئ والتي تتكوّن من 16 نقطة نجد من أبرزها احترام الاخر واعتماد مبدأ الديمقراطية والتداول السلمي للسّلطة. هذا وقد قمنا ايضا بإعداد مدوّنة او ميثاق يلزم جميع الأعضاء بما اتّفقوا عليه بعد الحصول على موافقة ملزمة لجميع الأعضاء.

س – وما الإطار الزمني الذي كان يفترض أن ينطلق فيه هذا المشروع؟

ج – بعد عيد الأضحى مباشرة اي في نهاية شهر اغسطس كان من المتوقّع أن يتمّ تنفيذ مراحل المؤتمر منذ مدينة بنغازي بقصد جمع ما يقارب عن 300 شيخ من مختلف قبائل ليبيا. كان ايضاً من المفروض على هذا المشروع أن ينعكس على الشرائح الـسّتّة الأخرى بحيث انّ بعد نجاح الشريحة الأولى (الشّيوخ والأعيان) ينطبق الإطار نفسه على بقيّة الشّرائح ويتم اعتماد مخرجات الاتفاق.

س – وماذا عن دور الأمم المتحدة في هذا الحراك؟

 الامم المتحدة هي هيئة مخوّلة ومفوّضة من قبل مجلس الأمن لمرافقة الليبيّين من أجل الوصول لحلّ ينهي الخلافات والازمات في ليبيا، وبالتالي فإنّ ما نعوّل عليه من قبل الأمم المتحدة هو أن تقدّم لنا المساعدات اللوجستية فقط، فنحن كاعضاء للمؤتمر والقائمين عليه نرفض اي تدخّل للمجتمع الدولي ونرفض تدخّل ايّ سفير واجتماعه مع ايّ مكوّن سياسيّ أو اجتماعيّ.

س –هل يمكن أن تعدّد لنا ما هي الأعمال التي قدّمت من أجل تحقيق المصالحة، خاصّة أنّك ذكرت في بادئ حديثك انكم بدأتم في العمل من أجل تحقيق المصالحة منذ عام 2012؟

ج – ساهمنا في اهمّ وأخطر الملفّات المعرقلة لتحقيق المصالحة والاستقرار وهو ملف مهجّري تاورغاء، وقرّبنا المسافات بينهم بعد التواصل والإتصال مع طرفي الخلاف، وتمكّنّا من تذليل العديد من المعوّقات.

ايضا قمنا ولا زلنا نتحاور مع سكّان بني وليد وخلافهم حول القرار رقم 7 الذي اصدره المؤتمر الوطني العام والذي سبّب خلافات عميقه بين سكّان بني وليد وبعض المدن والمناطق المجاورة لهم.

امّا في الفّترة الاخيرة فقد ناقشنا مسألة عودة نازحي بنغازي وذلك بالتنسيق مع الاجهزة الأمنية.

س – وهذا يقودنا لسؤال آخر وهو: ما هي أبرز المعوّقات الّتي واجهتكم كداعمي المصالحة ومجهّزي مؤتمر المصالحة؟

ج – كما يقول المثل، “يخلو الرأس من الصداع”. نعم، هناك العديد من الصّعوبات والمعوّقات الّتي واجهتنا، ونحن نعمل في ظلّ الواجب التّطوّعي وقد سبّب لنا هذا بعض المعوّقات اللوجستيّة والمادّيّة، كما أنّ ذهنيّة البّعض من المكوّنات الاجتماعيّة الليبيّة في فهم عمق الخلاف واستمراره والنتائج الوخيمة التي تترتّب عليها كانت معضلة كبيرة، ولكن بحمد الله استطعنا لحدّ ما التّغلّب على أجزاء كبيرة منها.

ففي شريحة القبائل، كانت هناك بعض الصّعوبات في إقناع والتعامل مع بعض الشيوخ، ولكن وكما ذكرت لك، تمكّننا من القضاء على هذه الخلافات، وهنا نحن نتحدث عن تكوين ممثّلين لطرف من الاطراف، أيّ أنّ حتى أطراف النزاع لم تتّفق فيما بينها على من يمثّلها، وهذا يعمق وينعكس على الخلاف الليبي برمّته.

حوار اجراه محمّد الصّريط

Back To Top