عن الازمة الليبية: لقاء مع الكاتب فرج فركاش

 

عن الازمة الليبية: لقاء مع الكاتب فرج فركاش

يرى الكثير من المراقبين والمتابعين للملف الليبي أنّه ومع توازن القوى الّذي نشاهده حاليّاً قد تدخل الازمة منعطفاً جديداً مبنيّاً على اسلوب استخدام أحد الاطراف للقوة التدميرية في الدفاع أو الهجوم على العاصمة، وهو امر من شأنه أن يزيد من فتورة الاعمار فتصبح ليبيا الدّولة الغنيّة بالنفط عبئاً على المجتمع الدولي.

غير أنّ هناك من يرى ايضاً أنّ القوى الدولية والاقليمية قد تساهم في مساعدة الليبيين في حل خلافاتهم بعد أن تتوافق بدورها في توحيد رؤيتها للحل والخلاف.

ومن اجل فهم أعمق للازمة الليبية، تحاور مركز الأداء الاستراتيجي مع الاستاذ فرج فركاش وهو باحث وكاتب صحفي مستقلّ مهتمّ بالشأن العام في ليبيا له مقالات عدّة تنشر في الصّحف العربية والعالمية.

 

سؤال – هل من طريقة تساعدنا على فهم المجريات السياسية الخاصّة بالأزمة الليبية؟ ما هو موقف الدول الإقليمية الفّعليّة خاصة بعد أن سمعنا التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي؟

جواب – للأسف جذور الازمة معقّدة ومتشابكة وترجع الى ما قبل نهاية المؤتمر الوطني بقليل، بل يمكن الرجوع الى المجلس الانتقالي الذي أنتج لنا اعلان دستوري لم يكن يلبي تطلعات الشعب الليبي. وتطوّر الامر الى محاولة اصلاح الاعلان الدستوري عبر مخرجات فبراير التي تم الطعن فيها لاحقاً عبر الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا. وأصبح الجدل حينئذٍ قانونيّاً لتتدخّل الامم المتحدة بطلب من البرلمان للوساطة بينه وبين المؤتمر الوطني الذي ترجم قرار المحكمة على انه احياء او استمرار لعمله – وهذا ما لم ينص عليه صراحة قرار المحكمة – ليتحوّل الجدل من قانوني الى سياسي. كلّ ذلك جاء بعد الجدل حول التسليم والاستلام وبعد فشل لجنة مكلفة من البرلمان للذهاب لطرابلس لتسلّم مهام البرلمان، وتخلل قبل تلك الفترة انقلاب تلفزيوني وحرب فجر ليبيا في طرابلس وثمّ ملتقى غدامس. تلك الوساطة الاممية انتجت لنا اتفاق الصخيرات الذي مدد فترة البرلمان وارجع المؤتمر الوطني في صورة مجلس الدولة ورئيس للدولة متمثّلاً في المجلس الرئاسي من 9 اشخاص لم يتبقى منهم الا 5 اشخاص. اتفاق الصخيرات تم تعطيل تضمينه في الاعلان الدستوري من قبل قلة معروفة في البرلمان يقودها رئيس البرلمان عقيلة صالح والتي منعت ايضا منح الثقة لحكومة الوفاق رغم اعتماد الاتفاق السياسي في أكثر من مناسبة. اما التدخل الاقليمي فقد كان موجوداً منذ بداية فبراير 2011، وتطوّر الامر ليتبلور تدخّلاً لدعم مشروعين: أحدهما لمشروع الاسلام السياسي من خلال دولة قطر، ومشروع آخر يفترض ان يكون مدنيّاً تحول كما يراه البعض لاحقا الى مشروع عسكري تقوده الامارات. وازداد هذا التدخل حدّة واستقطاباً بعد تفجّر الازمة بين الدول الخليجية وقطر، واصبحت ليبيا للاسف بمثابة ارض للحرب بالوكالة بين هتين الدولتين بالاضافة الى مصر وتركيا، ناهيك عن التدخلات الغربية الايطالية والفرنسية والبريطانية وحتى الروسية لضمان مصالحها. وتأتي تصريحات وزير الخارجية الفرنسي لمحاولة لملمة واحتواء هذا الصّراع وضمان الحدّ الادنى من مصالح هذه الدول المتصارعة من خلال مبادرة ثنائية ستطرح قريبا.

سؤال – يمكن أن نتوقع إذاً أنّ الرؤية الايطالية والفرنسية باتت واحدة فيما يتعلق بالحل في ليبيا؟

جواب – حسب التصريحات المعلنة خاصة من الرئيس الايطالي سيرجيو ماتاريلا الذي أكد على ضرورة توافق اوروبي حول الازمة الليبية وتطمينات الرئيس الالماني فرانك شتاينماير الذي طمأن ايطاليا وفرنسا ودعا الى مبادرة مشتركة “لمنع تآكل الدولة” يبدو ان هناك تنسيق بين هذه الدول، ولكن لايمكن استبعاد أنّ بروز الدور الألماني قد سارع في احداث توافق بين فرنسا وايطاليا خاصة بعد التوترات الاخيرة بين الدولتين. امّا تصريحات وزير الخارجية الفرنسي فهي تؤكّد اقتراب الموقف الفرنسي اكثر من الموقف الايطالي وكذلك الموقف الألماني، وربّما سنرى أنّ نتائج الاجتماع الذي سيترأسّه لودريان مع نظيره الايطالي الخميس القادم سيكون اهم مدخلات اجتماع برلين المزمع عقده في اكتوبر والذي نتمنّى ان يوحّد الرؤية الاوروبية حول الحل في ليبيا ويسهّل من مهام سلامة في احداث التوافق الدولي حول وقف اطلاق النار الذي يطمح اليه سلامة والليبيّون بصفة عامة قبل انعقاد المؤتمر الليبي الليبي الذي نتمنى ان تنتج عنه توحيد مؤسسات الدولة و التطلع للانتخابات.

سؤال – الا تعتقد أن السراج يواجه معضلة كون أن القوة التي تقاتل معه لا يمكن أن ترضي بحفتر كشريك من جديد لصناعة السلام؟ امّا انه قادر على تهيئة الأمر بترويض المعارضين لذلك؟

جواب – المشكلة الحقيقية تكمن في فقدان الثقة بين الاطراف المتصارعة، وازدات هوّة فقدان هذه الثقة اتّساعاً وربّما انعدمت كلّيّاً الآن بعد اعلان حفتر لحربه الاخيرة على طرابلس مع 10 ايام فقط كانت تفصلنا عن الملتقى الجامع والّذي كان غسّان سلامة قد حشد له طيلة أشهر قبل موعد انعقاده. والّذي فاجأنا جميعاً بمن فيهم غسان سلامة الذي وضع اللوم بكل صراحة على حفتر واتهمه بنسف العملية السياسية واتهمه بطعن السراج في الظهر خاصة انّه قال إنّه تلقّى تطمينات من حفتر بانه لن يفعل ما فعله والذي تزامن مع زيارة الامين العام انطونيو غوتيريش لطرابلس يوم 4 ابريل. ولكي يعمل سلامة على استرداد هذه الثقة المفقودة لابدّ من مسارين: المسار السياسي والمسار الأمني. المسار السياسي يتمثل في خلق توافق دولي خاصة الدول المنخرطة والمتدخلة في الملف الليبي حول الحل السياسي والضغط على الاطراف الداخلية التي تدعمها وهذا ما يسعى اليه سلامة في الوقت الحالي، وايضاً المسار الامني الذي يتمثّل في احياء ملف توحيد المؤسسة العسكرية واتخاذ خطوات عملية لحل المليشيات وضم افرادها وفق قوانين المؤسسات الامنية والعسكرية وخلق مشاريع تستوعب الباقي وتسريحهم بمعروف وخلق قوانين للعفو العام في الحق العام ويترك الحق الخاص للقضاء عند قيام الدولة. توحيد ملف المؤسسة العسكرية يتمّ بانخراط كل الاطراف في مؤسسة واحدة تمثّل كلّ الليبيّين تحت السلطة المدنية خالية من اي تواجد مليشاوي وبضمانات اقليمية ودولية بحيث ان لا تطغى المؤسسات المدنية وتعطل بناء المؤسسة العسكرية وان لا تتغول المؤسسة العسكرية على السلطات المدنية وهذا من شأنه ان يبدد مخاوف الاطراف وبداية لاعادة ولتعزيز الثقة بين الاطراف من جديد بغض النظر عن الاسماء والشخصيات المتواجدة في هذه المؤسسات.

سؤال – هناك تقييم يوضّح أنّ قوّات الشرق لا يمكن أن تحسم المعركة لصالحها، ايضاً الأمر يسري لدى الوفاق… هل تعتقد أن الطرفين وصلوا لقناعة بذلك؟ وإن لا فما هي البدائل من وجهة نظرك؟

جواب – الحسم العسكري في ظل توازن القوى ووجود الدعم العسكري والسياسي الخارجي للطرفين أصبح من الواضح انّه مستحيل التطبيق، ورأينا هذا منذ البداية. نحن لدينا اتفاق مكتوب وبه الكثير من النقاط الجيدة التي يمكن البناء عليها وتنقيحها، وهو شبه وثيقة دستورية معتمدة لدى مجلس الامن. كل ما نحتاجه هو إدخال بعض التعديلات على البنود الجدلية فيه وتفعيلها تفعيلاً حقيقياً. ومع عمليّة بناء الثقة وتوحيد المؤسسات علينا ايضا توسيع دائرة المشاركة لتشمل من اعتبر نفسه خارج الاتفاق السياسي وخاصّة المكوّنات العرقيّة في ليبيا وأنصار النّظام السّابق ممّن ليس عليهم قضايا او مطلوبين مثلاً للنائب العام. علينا أن نبتعد عن ثقافة الإقصاء وثقافة الغالب والمغلوب وأن نتّفق جميعاً على أنّ الطّريق الوحيد لاقصاء الخصوم هو عبر صناديق الاقتراع وليس صناديق الذخيرة.

 

حوار من إعداد وتحرير محمّد الصّريط، صحفي وباحث في مركز الأداء الاستراتيجي

رهان الحرب في ليبيا – محمّد الصّريط

 

بعد أكثر من 100 يوم على بدء الحرب في تخوم العاصمة الليبية طرابلس، بدأت تعلو ولو على استحياء بعض الاصوات المطالبة بوقف الحرب والعودة من جديد لسير المفاوضات والحوار بين المكوّنات والاطراف الليبية.

إلّا أن هذه الدعوة أو هذه الاصوات لم ترتقي بعد للمستوى الذي يفترض أن يكون بداية لانطلاق حوار جديد يأذن بوقف الحرب، فحتّى مع زيارة نائبة المبعوث الأممي للشؤون السياسية في ليبيا ستيفاني ويليامز لبعض المناطق والمدن الليبية ومقابلتها لبعض النخب السياسية والنشطاء والمسؤولين المحلّيّين، تبيّن أنه لازال هناك من يؤمن بالحرب كحلّ جذريّ لمشاكل ليبيا وذلك بالرّغم من أنّ بعض الاصوات التي بدأت تظهر حتّى مع بداية الحرب في مختلف انحاء ليبيا تطالب بوقفها وترفع شعار (الحرب ليست حل).

وحول هذا الموضوع، يعتبر الاستاذ ابراهيم موسى المقيم بستوكهولم أنّه لن ينتصر أيّ طرف من أطراف هذه الحرب انتصاراً كاملاً ومستديماً، بل أنّ الثّابت هو خسارة الكلّ، حيث تحوّلت الحرب إلى تطاحن عنيد واستنزاف مفتوح بين طرفين، وهذا من شأنه أن يزيد من تكلفة الحرب البشرية في الوفيات والجرحى والنازحين والّذي أصبح في تزايد مرعب.

هذا ويردف موسى بقوله: “تعاظم العذاب والمعاناة المعيشيّة للمواطنين بكلّ شرائحهم أصبح عنوان المرحلة لدرجة تعرقل الحياة بشكل مهين من خلال تهاوي الحريات وحقوق الانسان ونقص الاحتياجات الاساسية واستشراء الانتهاكات الرسمية والجنائية”.

ويوضّح موسى أنّ تعاظم التنافر والخصام الجهوي والقبلي حتّى داخل نفس المنطقة والقبيلة أصبح تهديداً للنّسيج الاجتماعيّ الذي في اعتقاده تأثّر بشكل كبير جدّاً من جرّاء الحرب التي تعرض بقاء ووحدة ليبيا لخطر وجودي، إلى جانب تعميق انقسام وانشطار كلّ مؤسّسات الدّولة في كلّ القطاعات التشريعية والتنفيذية والعسكرية.

ويرى ايضاً الاستاذ ابراهيم موسى أنّ تكلفة الحرب المادّيّة والعمرانيّة والخدميّة اصبحت مأهولة فتتسبّب أيضاً في طمس وهجرة الأدمغة والقدرات الليبية وهروب رأس المال الوطني للخارج، إلى جانب تبذير وهدر الإمكانيّات لصالح مجهود الحرب والتعويضات والتهريب وإصلاح الدمار والفساد وتآكل الاستثمارات والأصول الليبية بدلاً من تحبيذ التنمية البشرية والتعليمية والاقتصادية.

 

هذا ويضيف ايضاً موسى أنّه كلّما طالت الحرب زاد تعقيد وصعوبة الحل السياسي مع زيادة الدم والفتورة البشرية لشعب قبليّ يؤمن بالانتقام، وبالتّالي تتحوّل ليبيا إلى ساحة حرب إقليميّة ودوليّة يبقى فيها الليبيّون وقودها وضحاياها مع تدهور قدرة الاطراف الليبية على التأثير، وهنا تكمن الخطورة الاخرى!

وهذا من شانه أن يعزّز الانقسام فعلاً لمناطق نفوذ وتبعيّة لدول خارجيّة ربّما تصل لدرجة فرض إكراهات سياسيّة واقتصاديّة وسكّانيّة، فربّما تصنع من الليبيّين رعايا من الدرجة الثانية في وطنهم.

من جهة أخرى، يعتبر الاستاذ ابراهيم موسى أنّ استغلال التطرّف والارهاب والهجرة المنفلتة والإجرام المنظّم والانتهازيّة الانتقاميّة للظروف القائمة بسبب الاقتتال كلّها أمور تزيد من خطورة الوضع القائم في البّلاد وتهدّد مستقبله على المديين المنظور وغير المنظور.

ومن هنا، يختتم موسى كلامه قائلاً إنّه في حرب أهليّة وفي ظرف يسود فيه وجود مجتمع قبليّ جهوي وماضويّ، قد لا يصبر المهزوم “الاجتماعي” إلّا لوقت محدود قبل أن يثأر.

يبقى السّؤال: هل هناك طريق ثالث لسلام عادل وكريم ومتوازن لا يريده البعض؟

حول هذه المسألة، يرى الاعلامي فراس بوفرج العبيدي من طبرق أنّ “الحرب هي وسيلة فرضت على الليبيين وليس خيار بين عدّة خيارات، فالجماعات المسلّحة تدرك انها تسيطر على العاصمة والمؤسسات الاستراتيجية فيها، وبالتالي اصبحت تقوى وتكبر ويقوى معها نفوذها، ولذلك فإنّ الحرب فرضت”.

ويسترسل بوفرج بقوله: “نعم، نحن شعب اجتماعي عاطفي إلى درجة كبيرة ونتأثّر بالظروف المحيطة بنا، ولكن الحرب ليست بين المكونات الاجتماعية الليبية بل هي بين حلم بناء دولة المؤسسات والقانون والردع وبين من يرغب في استمرار العبث”.

ويضيف بوفرج: “لذلك لا اعتقد أنّ الحرب في طرابلس تهدف لمسّ مكوّن اجتماعي او مدينة ما بل أنّها قائمة من اجل القضاء على المجموعات المسلّحة التي تعرقل عمل الدولة من خلال المواجهة المباشرة معها وهذا مكلف وندرك ذلك لكن لا خيار لنا إلّا المواجهة.”

وختاماً، فما بين مؤيّد ورافض للحرب يبقى المواطن الليبيّ عموماً وسكّان غرب ليبيا خصوصاً بانتظار تحسّن الاوضاع المعيشيّة المرتبطة بالواقع السياسي والعسكري والميداني، لعلّ الحرب تتوقّف فيعود التلاميذ لمقاعد الدراسة والاستاذ للجامعة والموظّف لعمله خاصّة في مناطق الاشتباك الّتي تقع على تخوم العاصمة وتوحي بقربها لداخل المدينة في حال استمرّت الحرب.

 

محمّد الصّريط

Back To Top