ازمة الكهرباء في ليبيا: الاسباب والحلول الواردة
لقاء خاصّ مع رئيس مجلس إدارة الشركة العامة للكهرباء في ليبيا المهندس عبد المجيد حمزة
امام تفاقم ازمة انقطاع الكهرباء المتكررة في اغلب المدن الليبية الكبرى كمدينة طرابلس وضواحيها وبنغازي والجنوب بالكامل، فقد اضطرّت الشركة العامة للكهرباء لطرح الاحمال، وهي طريقة تقوم الشركة من خلالها بقطع الكهرباء على المدن لفترات طويلة من الوقت ثم ترجعها من جديد وبالتناوب بين المدن. امّا استمرار هذا الوضع فقد زاد من حالة الاحتقان لدى الكثير من المواطنين إلى أن خرج البعض منهم عن طورهم مثال عدد مهمّ من اهالي بعض المناطق الّذين قاموا بمهاجمة موظفي الشركة العامّة للكهرباء وتعرّضوا لهم بالضرب والاهانة.
ولمناقشة هذا الملف المهم كان هذا اللقاء الّذي اعدّه الصّحفي والبّاحث في مركز الأداء الاستراتيجي (ستراكتيجيا) محمّد الصّريط مع رئيس مجلس إدارة الشركة العامة للكهرباء المهندس عبد المجيد حمزة الّذي وافانا بوجهة نظره حول اهمّ التّطوّرات القائمة في ليبيا والمتعلّقة بازمة الكهرباء وتأثيرها على الوضع السّاري في البّلاد عموماً.
س \ هناك من يروج داخل ليبيا فكرة أنّ ازمة الكهرباء القائمة في البّلاد قد تكون ازمة مفتعلة لا فنّيّة كما يروّج البّعض، هل هذا الكلام قريب للواقع؟
ج \ بالطبع هذا الكلام غير منطقي وليس بالقريب ولا بالبعيد عن الواقع فالأزمة التي تمرّ بها ليبيا فيما يخص الكهرباء هي ازمة وهي ناتجة عن عدم تعاون المواطن مع الدّولة. بمعنى ادقّ فهناك عجز في الانتاج مقابل وجود قوّة استهلاك كبيرة فقوّة الاستهلاك الحالية تصل إلى ما بين 5500 إلى 6000 ميغاوات بما معناه أنّ الوضع الحاليّ يشابه ما حدث في شهر يناير من هذا العام عندما وصل عجز الإنتاج إلى ما يقارب ال1800 ميغاوات. وهذا يجعل الكثير من المحطات تخرج عن الخدمة بسبب كثرة الطلب على الكهرباء وهو ما لا يتوافق مع قدرة الانتاج ومن هنا دواعي اللجوء لطرح الاحمال.
لذلك فهذا الامر ليس له علاقة بالتوجّهات والمواقف السياسية أو غيرها بل هو امر فني بحت.
س / كيف يمكن مواجهة هذا العجز في الوقت الرّاهن وبقصد التّخفيف عن عبء المواطن الذي يعاني قلّة السّيولة وانقطاع الكهرباء؟
ج \ يجب أن يتعاون المواطن بالدرجة الأولى وأن يستوعب المرحلة الحرجة التي تمرّ بها البلاد من خلال تكثيف الجهود، وبالفعل بإمكاننا أن نخرج من هذه الازمة من خلال تكثيف الجهود والتقليل ممّا أطلق عليه تسمية ” الاستهلاك العبثي”.
فمن ناحية نحن الآن بصدد صيانة بعض المحطات المتوقفة بطرابلس لتزويد المستهلك بالإنتاج سواء كان هذا المستهلك مواطن او صناعي أو زراعي. ولكن ما نطلبه هو الترشيد في الاستهلاك وإدراك المواطن للواقع ولحجم الازمة، فعلى سبيل المثال فقد قمت شخصيّاً بزيارة إحدى صالات البيع بإحدى الاسواق التجارية بطرابلس فوجدت هذه الصالة تحتوي على ما أكثر من 1600 مصباح علماً بأنّ هكذا أمر غير مقبول حيث أنّه في الكثير من الاحيان نحن نرى أنّ إضاءة المنازل والمحلّات والشركات تجري في وضح النهار حينما يخرج الموظّفون مع نهاية الدوام دون إقفال ما لا يحتاجونه من إضاءة ومواد كهربائيّة.
ايضا يتم ايجاد الحلول من خلال اعطاء فرصة لشركات الانشاء باستكمال مشاريعها داخل المدن والمناطق ودون التعرض لها من قبل الخارجين عن القانون، وعلى هذا الصّعيد فإنّ ملاحقة الاجهزة المعنية لهم سيكون سبب مهم في اجتياز الصعوبات.
س / هناك من يقول أن مصر وتونس والمغرب اقلّ استهلاكاً للكهرباء من ليبيا بالرّغم من وجود قاعدة صناعية اوسع واهمّ في هذه البّلاد فما تفسيركم لذلك؟
ج \ نعم هذا صحيح، انا شخصياً إتّصلت بمدير شركة الكهرباء ” استاك ” بتونس السّيّد يونس الغرابي والذي قال لي انّه في بداية هذا الصيف وصلت درجة الحرارة إلى 47 درجة مئويّة مما جعل قدرة استهلاك تونس للكهرباء تصل لـحدّ ال4524 ميغاوات وهو رقم لم تعرفه تونس من قبل. برغم من أن عدد سكان تونس 9 ملايين نسمة فهم في متوسط استهلاكهم للكهرباء لا يتعدّون ال4200 ميغاوات، بينما في ليبيا الّتي وصل عدد سكانها إلى 5.847089 مليون نسمة حسب إحصائية عام 2012 فإن استهلاك الكهرباء فيها 7350 ميغاوات بينما قدرة الانتاج 5500 ميغاوات.
لذلك فإن استهلاك المواطنين الفّعلي في عدد من الدول يعادل في أغلب الاحوال 3 اضعاف ما يستهلكه المواطن في ليبيا، وهذا يرجع لأسباب عديدة لعل الانفلات الامني وتوقف الشبكة عن الصّيانة بسبب خروج الشركات الاجنبية من البّلاد له الدّور الاكبر في خلق هذا الوضع إلى جانب النّتائج الواردة عن تمادي المواطن في التّعاون مع الشركة.
س / لماذا قبل عام 2011 كان إنتاج واستهلاك ليبيا لا يتعرّض لازمات مثل تلك الّتي تمرّ بها البّلاد الآن؟
ج \ في عام 2010 لم يتجاوز إنتاج ليبيا الكلّي من الكهرباء ال5100 ميغاوات بينما في عام 2003 لم يتعدّى إنتاج البلاد ال4200 ميغاوات، فعندما يساوي التوليد والانتاج حاجة الإستهلاك لا تكون هناك مشكلة ولكن عندما يحدث عجز في الإنتاج وتنامي الاستهلاك هنا تحدث المعضلة. هذا وقد زادت الاحمال في ليبيا وذلك تحديداً مع نهاية عام 2012 عندما إرتفعت ووصلت حاجة المواطنين إلى ال3000 ميغاوات وهو رقم فلكيّ بالمقارنة بعدد السكان وقدرة الانتاج إلى جانب عدم قيام المواطن بسداد فواتير الكهرباء، كما انّنا نعدّ الدولة الوحيدة في العالم التي لا يقوم مواطنوها بسداد فواتير الكهرباء فيها وهو جزء اخر من المعضلة.
س / هل هناك خطّة اعدتها الشركة للخروج من هذه الازمة نهائيا أو على المدى البّعيد؟
ج \ هناك خطّتين في الواقع، الأولى تتعلّق بالشّركة وبعملها الفنّيّ امّا الثانية فتتعلّق بالدّولة وبأجهزتها الضبطيّة والرّقابية. وفيما يخص دور الشركة فنحن الآن نقوم بتطوير محطات عدّة في ليبيا منها محطّات الخمس والزّاوية وطبرق وزويتينه واوباري وسرت وكلّها كفيلة بأن تجعل القدرة الانتاجية ذات كفاءة عالية، فمحطّة خمس ستوفر ما يقارب ال550 ميغاوات بينما محطة اوباري ستوفر 230 ميغاوات ومحطّة سرت 640 ميغاوات، وبالتّالي سيكون لدينا 8770 ميغاوات وهو رقم ضخم سوف ينهي الازمة، بالإضافة إلى الفّائدة الّتي ستنتج عن إعادة تفعيل العقود الكبيرة مع الشركات الاجنبية وهي عقود أبرمت في عامي 2009 و2010 وهي خاصّة ببناء وتطوير محطات جديدة كبيرة جدا ستجعل من ليبيا دولة ذات قدرات إنتاجيّة كبيرة جدّاً في مجال الطّاقة.