المصالحة في ليبيا: حوار مع د. مفتاح المسوري

المصالحة في ليبيا… حوار مع د. مفتاح المسوري

لكم هذه المقابلة مع الدكتور مفتاح المسوري، منسق العلاقات الخارجية باللجنة التحضرية للمؤتمر الوطني العام الجامع (الليبي – الليبي)، الّذي تحدّث لمركز الأداء الاستراتيجي عن تفاصيل المصالحة والمعوّقات الّتي تواجه تحقيق الاستقرار في ليبيا من خلال رؤية المصالحة ما بين القوى المتصارعة على السلطة في ليبيا.

الدكتور مفتاح المسوري من مواليد وسكّان مدينة درنه، التحق بالسّلك الدبلوماسي عام 1975. تدرّج بالمناصب السياسية داخلياً وخارجياً حتى وصل لمنصب السفير عام 2004، ومن الجدير بالذّكر أنّه كان قد عيّن في عام 1977 المترجم والمستشار الخاص بالثقافة الفرنسية لمعمّر القذافي اثناء فترة حكمه.

كما تحصّل الدكتور مفتاح المسوري على العديد من الإجازات العلمية في الفلسفلة الفرنسية إلى جانب تخصّصاته السّياسيّة المختلفة الّتي سمحت له بتولّي مناصب كانت قد قرّبته من منظومة الحكم السابق.

تناولنا في هذا الحوار تفاصيل المؤتمر الجامع للمصالحة ما بين المكونات الليبية الّذي كان قائماً حتّى عدّة أشهر سابقة، حيث تحدّث إلينا الدكتور مفتاح المسوري عن تفاصيل العديد من المحاور التي مرّ بها والّتي تمثّل مشواراً هامّاً في الجمع ما بين الفرقاء الليبيين.

س- دكتور مفتاح المسوري، كيف تشرحون لنا الجهود التي بذلت منذ ان عزمتم على المضي قدماً في جمع عدد من المكونات الليبيّة تحت مظلة واحدة؟

ج – بالنسبة للتجهيز للمؤتمر العام الجامع (الليبي-الليبي) والّذي استمرّ خلال السّتة أشهر الأولى لعام ٢٠١٨م فقد تمثّل مجهودنا بالعمل من أجل تحقيق المصالحة ما بين الليبيين. هذه المساعي كانت قد بدأت بدورها في عام 2012م وذلك بعد تعيين الأستاذ محمد العباني آنذاك كمنسّق للمصالحة في ليبيا وهو عضو بالمؤتمر الوطني العام الجامع.

وفي عام 2016م تمّ الإعلان عن المؤتمر العام الجامع للمصالحة وعلى اساسه اجرينا العديد من المشاورات والمباحثات المطوّلة جدّاً والّتي استمرّت لأسابيع وشهور عدّة وقد ضمّت العديد من المكوّنات الليبيّة. وتمثّل هذا في الإتصال بالعديد من شيوخ واعيان القبائل وقادة الرأي من المجتمع المدني وكذلك العديد من ضبّاط الجيش في الشرق والغرب وضبّاط الأمن وكذلك قادة بعض المجموعات المسلّحة وعمداء البلديات إلى جانب المكوّنات الاجتماعية الأخرى كالأمازيغ والتّبو والطوارق.

هذا وقد قمنا ايضاً بتقسيم شرائح المجتمع الليبي إلى ستّة شرائح مستهدفة بالحوار واللقاء من اجل النقاش حول الوصول لميثاق مصالحة، وهم يمثّلون الفّئات التّالية: شريحة شيوخ القبائل والأعيان، شريحة المجتمع المدني وقادة الرأي العام، شريحة المرأة والشباب، شريحة ضبّاط الجيش في غرب وشرق وجنوب ليبيا، شريحة ضبّاط الأمن والشرطة، وشريحة المجموعات المسلحة.

كانت كلّ من هذه الشرائح قد قدّمت لنا من يمثّلها وهو المسؤول امامهم بالالتزامات التي يقرّها معنا فهو -الممثل- ينسق معنا ويتواصل معنا من أجل المصالحة، وكل هؤلاء الممثّلين لجميع كافة الشرائح كان من المتوقّع عليهم أن يشكّلوا لجنة تحضرية للمؤتمر العام الجامع للمصالحة.

فالواقع أنّنا كلجنة قمنا بإعداد العديد والكثير من الوثائق والمراسلات والإتصالات التي وضعت أسس ميثاق المبادئ والتي تتكوّن من 16 نقطة نجد من أبرزها احترام الاخر واعتماد مبدأ الديمقراطية والتداول السلمي للسّلطة. هذا وقد قمنا ايضا بإعداد مدوّنة او ميثاق يلزم جميع الأعضاء بما اتّفقوا عليه بعد الحصول على موافقة ملزمة لجميع الأعضاء.

س – وما الإطار الزمني الذي كان يفترض أن ينطلق فيه هذا المشروع؟

ج – بعد عيد الأضحى مباشرة اي في نهاية شهر اغسطس كان من المتوقّع أن يتمّ تنفيذ مراحل المؤتمر منذ مدينة بنغازي بقصد جمع ما يقارب عن 300 شيخ من مختلف قبائل ليبيا. كان ايضاً من المفروض على هذا المشروع أن ينعكس على الشرائح الـسّتّة الأخرى بحيث انّ بعد نجاح الشريحة الأولى (الشّيوخ والأعيان) ينطبق الإطار نفسه على بقيّة الشّرائح ويتم اعتماد مخرجات الاتفاق.

س – وماذا عن دور الأمم المتحدة في هذا الحراك؟

 الامم المتحدة هي هيئة مخوّلة ومفوّضة من قبل مجلس الأمن لمرافقة الليبيّين من أجل الوصول لحلّ ينهي الخلافات والازمات في ليبيا، وبالتالي فإنّ ما نعوّل عليه من قبل الأمم المتحدة هو أن تقدّم لنا المساعدات اللوجستية فقط، فنحن كاعضاء للمؤتمر والقائمين عليه نرفض اي تدخّل للمجتمع الدولي ونرفض تدخّل ايّ سفير واجتماعه مع ايّ مكوّن سياسيّ أو اجتماعيّ.

س –هل يمكن أن تعدّد لنا ما هي الأعمال التي قدّمت من أجل تحقيق المصالحة، خاصّة أنّك ذكرت في بادئ حديثك انكم بدأتم في العمل من أجل تحقيق المصالحة منذ عام 2012؟

ج – ساهمنا في اهمّ وأخطر الملفّات المعرقلة لتحقيق المصالحة والاستقرار وهو ملف مهجّري تاورغاء، وقرّبنا المسافات بينهم بعد التواصل والإتصال مع طرفي الخلاف، وتمكّنّا من تذليل العديد من المعوّقات.

ايضا قمنا ولا زلنا نتحاور مع سكّان بني وليد وخلافهم حول القرار رقم 7 الذي اصدره المؤتمر الوطني العام والذي سبّب خلافات عميقه بين سكّان بني وليد وبعض المدن والمناطق المجاورة لهم.

امّا في الفّترة الاخيرة فقد ناقشنا مسألة عودة نازحي بنغازي وذلك بالتنسيق مع الاجهزة الأمنية.

س – وهذا يقودنا لسؤال آخر وهو: ما هي أبرز المعوّقات الّتي واجهتكم كداعمي المصالحة ومجهّزي مؤتمر المصالحة؟

ج – كما يقول المثل، “يخلو الرأس من الصداع”. نعم، هناك العديد من الصّعوبات والمعوّقات الّتي واجهتنا، ونحن نعمل في ظلّ الواجب التّطوّعي وقد سبّب لنا هذا بعض المعوّقات اللوجستيّة والمادّيّة، كما أنّ ذهنيّة البّعض من المكوّنات الاجتماعيّة الليبيّة في فهم عمق الخلاف واستمراره والنتائج الوخيمة التي تترتّب عليها كانت معضلة كبيرة، ولكن بحمد الله استطعنا لحدّ ما التّغلّب على أجزاء كبيرة منها.

ففي شريحة القبائل، كانت هناك بعض الصّعوبات في إقناع والتعامل مع بعض الشيوخ، ولكن وكما ذكرت لك، تمكّننا من القضاء على هذه الخلافات، وهنا نحن نتحدث عن تكوين ممثّلين لطرف من الاطراف، أيّ أنّ حتى أطراف النزاع لم تتّفق فيما بينها على من يمثّلها، وهذا يعمق وينعكس على الخلاف الليبي برمّته.

حوار اجراه محمّد الصّريط

خاص – لقاء مع النّقيب فرج اقعيم وكيل وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطنيّ الليبيّة

عانت ولازالت تعاني ليبيا من انقسام سياسي أفرز حكومتين احدها بالشرق والأخرى بغرب البلاد، فالأولى وهي “حكومة الازمة” التي يطلق عليها بالمؤقته جاءت عقب حرب ” فجر ليبيا ” وصراع شرعية البرلمان بطبرق اقصى الشرق الليبي ويترأسها عبدالله الثني وزير الدفاع بحكومة علي زيدان قبل اندلاع حرب فجر ليبيا عام 2013 حيث استمرت هذه الحكومة بشرعية البرلمان ولكن في اكتوبر من عام 2015 افضى الاتفاق السياسي الموقع بمدينة الصخيرات المغربية بين اطراف النزاع والخلاف في ليبيا إلى ماعرف بعدها بحكومة “الوفق الوطني” والتي ترأسها عضو مجلس النواب عن مدينة طرابلس فائز مصطفى السراج. ولكن لحسابات متعلّقة بالخلاف الليبي لم يعترف بها بشكل مباشر جزء من طرفي النزاع اللذان انقسم كل فريق منهما لفريقين آخرين فكان معسكر طبرق لديه مؤيد للحكومة وطرف معارض لها وهذا الحال ايضا شهده معسكر طرابلس او “المؤتمر الوطني العام” الذي انقسم فريق منه إلى مؤيد لحكومة السراج وفريق آخر ظلّ يرفض بنود الاتفاق السياسي.

وهذا ما زاد من تعميق الخلاف والازمة في ليبيا إلى أن وصل الامر إلى الاعتراف بمخرجات الصخيرات مع تعديلات طفيفة في احدى بنود الاتفاق. وفي خضم هذه الاحداث ظلّت حكومة الوفاق تعمل فقط في غرب ليبيا ولكن وفي الاشهر القليلة الماضية بدأت بعض الشخصيات المسؤولة وكذلك بعض الاعيان بالمنطقة الشرقية التي لايعترف مسؤوليها بحكومة الوفاق الوطني يتعاملون ويتصلون مع الوفاق ورئيسها وكان آخرهم النقيب فرج اقعيم الذي زار فائز السراج بطرابلس والتقى بوزير الداخلية المكلف عارف الخوجه والذي وبالتنسيق مع فائز السراج رئيس الحكومة عُيّن وكيل وزارة الداخلية. وفي خضمّ هذه التفاعلات كان هذا اللقاء الخاص بمركز الأداء الاستراتيجي الّذي قاده الصّحفيّ والبّاحث في المركز محمّد الصّريط مع النقيب فرج قعيم في ببيته بضواحي مدينة بنغازي.

س \ هل حسمت مسألة تبعيّتكم لحكومة الوفاق أم أنّ كلّ ما يرد في الموضوع مجرد اشاعات ولبس في الاخبار؟

 ج \ نعم لقد كلّفت من قبل وزير الداخلية المكلّف عارف الخوجة وبقرار من السيد فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني بليبيا لكي اكون وكيل وزارة الدّاخليّة بليبيا.

هذا التكليف جاء بعد أن تشاورت مع عدد من شيوخ وأعيان قبيلتي، قبيلة العواقير، ومع عدد من أعيان شرق ليبيا الذين باركوا هذا التكليف واعتبروه خطوة جيدة لتحقيق المصالحة وكذلك رأوا فيه نقلة جيدة في ملفّ الاتفاق السياسي وانهاء الخلاف.

س \ هل نسّقت مع الجهات التي تعتبر نفسها هي الشّرعيّة في الشرق مثال الحكومة الموازية؟

ج \ العالم كلّه وحتّى هيئات الداخل واقصد هنا التّيّارات السياسية والعسكرية بما فيهم ابرز القيادات العسكرية تحاور وتقابل مسؤولي حكومة الوفاق، لذلك لا حرج عليّ أو على غيري كما أن خطوتي جاءت بالتنسيق مع القوى الفاعلة والحقيقة وهي القوى الاجتماعية.

س \ ماهي ابرز النقاط التي تناولتها في لقاءك مع السراج والخوجه بطرابلس وهل تعتقد أنّه سيكون لها انعكاسات ايجابية؟

ج \ اعتقد أنّ اهمّ ما قاله السراج علماً بأنّه ذكر مواضيع كثيرة وعده واصداره لأوامر متعلّقة بتخصيص ميزانية جيدة لدعم مراكز الشرطة بشرق ليبيا وخاصة بنغازي، وزيادة مرتّبات الشرطة بنسبة 50%، وتطوير جهاز مكافحة الارهاب وتذليل كافة العقبات التي تواجه هذا الجهاز.

أيضا ترد اهمّيّة تطوير الهياكل الامنيّة والإدارية بهذا القطاع المهم والحيوي من خلال تزويده بكافة التقنية الحديثة لتسهل العمل بمهنية وبمعايير دولية جيّدة.

وهذه النّقاط هي أبرز ما ناقشناه ووافق عليه السراج والخوجه وهذا في حدّ ذاته تقدّم جيّد لصالح ليبيا.

س \ بالعودة للقوى الموازية في شرق ليبيا، ما دوركم وموقفكم من بعض ردود الفعل من قبل القادة العسكريّين الذين أصدروا بيانات ادانوا من عبرها هذا التكليف معتبرين أنّه محاولة لتقسيم “معسكر طبرق”؟

ج \ انا اعمل ضمن الشرعية المحلّيّة وهي شرعيّة توافقيّة مبنيّة ايضاً على ما يعترف به العالم من اجسام سياسية تمثّل الليبيين وهي ممثّلة بحكومة الوفاق الوطني.

كما أنني وعلى الصعيد الشخصي كنت ولا زلت ادعم المؤسسة العسكرية بالكامل فهي طوق نجاة الليبيين في مواجهة كافة التحديات التي تعرقل إمكانيّة قيام دولة مدينة حضارية. كفانا ارهاباً وكفانا استبداداً، ما يريده الليبييون في هذه المرحلة هو الاستقرار ولا اعتقد أنّ هذا سوف يأتي إلّا من خلال التوافق بين مكوّنات المجتمع الليبي وبناءنا لوطن تكون فيه المدنيّة عنواناً للمرحلة الجديدة.

لذلك لا اعتقد أن هناك اناس وطنييون يرفضون التوافق والوفاق بين الاطراف الليبيية التي تتنازع على المناصب وتتجاهل مصلحة المواطنين.

 س \ ما حقيقة ما يقال حول أنّ هناك حالة من النفير بين القوّات التي تعمل تحت امرتك من جهة وبين بعض القوى الموازية بشرق ليبيا من جهة أخرى؟ وهل هناك احتمالية تصادم بينكم؟

ج \ جميع القوى التي تعمل وفق الشرعية تعمل بقصد تأدية عملها ولا اعتقد أن هناك قوى أخرى شرعيّة ينبغي ذكرها هنا، فأنا شخصيّاً قمت بوضع حجر الاساس لعدد من مراكز الشرطة بمدينة بنغازي وسلوق وهي خطوات قد قمت بها ضمن الخطة المتّفق عليها مع السّرّاج حيث وضعت خطة لتأمين مدينة بنغازي من خلال تأسيس غرفة امنية مشتركة بين القوّات الامنيّة والقوّات الخاصّة، والكلّ مرحّب بذلك. نعم هناك بعض الأصوات الّتي لا تؤيد ذلك ولا تتمنّى للبّلاد سوى السّوء ولكنّ هذه الاصوات غير مسموعة ناهيك عن أنّنا سنتصدى لكلّ محاولة تهدف لزعزعة الاستقرار والأمن في ليبيا.

س \ هناك من يتّهم فرج اقعيم وقبيلة العواقير بصفة عامة بالبّحث عن فرص تخدم مصلحتهم الشّخصيّة معتبرين أنّ فشلكم في تحقيق مكاسب في الشرق وفي معسكر الكرامة قادتكم إلى اللجوء إلى السراج الّذي اخذ مطالبكم بعين الاعتبار، فما ردّكم على ذلك؟

ج \ اولاً سأوضّح لك بعض النقاط المهمّة لعلّ من أبرزها أن قبيلة العواقير تعدّ ضمن القبال التي قدّمت الكثير من ابنائها في سبيل هذه الحرب حيث زاد عدد الشهداء من قبيلة العواقير على أكثر من 1500 رجل واعداد مأهولة من الجرحى ايضاً، كما انّني وعلى الصعيد الشخصي اسست جهاز مكافحة الارهاب والذي تصدّى للكثير من الإرهابيّين الّذين جاءوا من درنه عبر “بوابة برسس” وقاموا بتفجيرات داخل بنغازي. وقد سلّمت عدداً منهم للأجهزة المعنيّة في ذلك الوقت أي تحديداً في عام 2014م ممّا جعل بعض “القادة الارهابيّين” يصنّفوني بما اعتبروه “رجل الطواغيت”. كلّ هذه المعطيات وغيرها لا تضعني في خانة الابتزاز أو ما شابه ذلك ولكن ومن باب الإنصاف فيجب عليّ أن أقول إنّه من غير المعقول أن يكون من كان بالخلف ولا يدرك أيّ شيء عن حقائق الميدان هو من يتصدر المشهد.

Back To Top