علي الأمين : “نتائج الانتخابات النّيابيّة في لبنان لن تغيّر في واقع السلطة القائم اليوم”
ينشر موقع ستراكتيجيا اليوم هذا الحوار الخاص بالأوضاع القائمة في لبنان مع الأستاذ علي الأمين، محلل سياسي ورئيس تحرير موقع ‘جنوبية’.
١/ بدايةً، ما تعليقك على نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة وما هي توقعاتك إزاء التركيبة النيابية الجديدة؟
أظهرت نتائج الانتخابات النيابية ٢٠١٨ في لبنان على وجه العموم جملة حقائق. قانون الانتخاب الذي اعتمد قرّر الى حدّ كبير حصص كل فريق داخل السلطة، ولم يكن يوم الاقتراع إلا حلقة أخيرة من سلسلة حلقات مقررة للوصول الى هذه النتائج.
موازين السلطة التي تميل لصالح حزب الله وحلفائه ومنذ انتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون قبل عام ونصف، تمّت ترجمتها في الانتخابات النيابية، وساهم قانون الانتخاب الى جانب التحكم بمفاصل السلطة الأمنية، وامتلاك السلاح غير الشرعي من قبل حزب الله، في الوصول الى تحقيق هذه النتيجة، التي دفعت قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني للقول بعد نحو شهر من اعلان النتائج، أن حزب الله فاز ب٧٤ مقعدا نيابياً من أصل ١٢٨، من دون حتى أن يشير ولو مراعاةً إلى ان المقصود حزب الله وحلفاؤه.
أظهرت الانتخابات النيابية الى حدّ بعيد أن التنافس كان قائما داخل الطوائف، بالدرجة الأولى في الدوائر ذات الغالبية المسيحية ثم في الدوائر ذات الغالبية السنية ثم الدرزية، كما أظهرت ان الدوائر ذات الغالبية الشيعية مغلقة على أي تنافس بحيث ظهر أنّ حزب الله وحليفته حركة أمل قادران على تحقيق الفوز الكاسح على أي حالة معارضة. وهذا يحتاج تفسيره الى بحث آخر، يكشف عن الأسباب الموضوعية التي أظهرت الطائفة الشيعية في لبنان بخلاف بقيّة الطوائف وكأنها طائفة مغلقة وخائفة وقلقة وربما مصادرة الإرادة.
لوحظ أنّ نسبة المشاركة في الانتخابات، والّتي قاربت الخمسين في المئة، هي نسبة متدنّية عما كان عليه الحال في انتخابات عام ٢٠٠٩ والتي بلغت آنذاك اثنين وخمسين في المئة في ظلّ نظام اكثريّ، بينما في الانتخابات الأخيرة اعتُمد النظام النسبي وهو نظام يفترض ارتفاع نسبة المقترعين. وهذا إن دلّ على شيء فهو شعور لبناني عام بأنّ نتائج الانتخابات لن تغيّر في واقع الحال، للأسباب التي اشرنا إليها سابقاً، أي طبيعة قانون الانتخابات، والتحكم بمفاصل السلطة من قبل حزب الله، فضلا عن عدم الثقة بإدارة العملية الانتخابية التي تسمح بتزوير منظّم ومحترف للانتخابات ونتائجها.
يمكن القول إنّ نتائج الانتخابات النيابية لن تغيّر في واقع السلطة القائم اليوم، أي أن حزب الله لا يزال وسيبقى يدير العملية السياسية وعملية تقاسم الحصص بين اطراف السلطة، ويعمل على ترسيخ دوره كسلطة وصاية على الدولة اللبنانية كما كان الحال في مرحلة الوصاية السورية على لبنان. يعلم اللبنانيون أنّ قوة حزب الله ونفوذه لا يتأتيان من تمثيله النيابي او السياسي، بل من السلاح الذي يمتلكه والبنية الأمنية والعسكرية التي امتدّت الى كل المناطق اللبنانية والى خارج لبنان. امام هذه الحقيقة ثمة مراهنات لبنانية عميقة على دور خارجي دولي واقليمي على لجم الدور العسكري والأمني لحزب الله لا سيما في سوريا، وإلزامه في الدخول الى الدولة بشروط الدستور والقانون.
٢/ ما رأيك في نتائج مؤتمر الأرز الّذي نظّم في باريس، مسألة سلّة القروض مقلاً (١١.٥ مليار دولار)، إلى جانب مليارات أخرى ستذهب إلى القطاع الخاص على مدى السنوات العشر القادمة؟ هل تعتقد أنّ هذا المال سيوظّف في الأماكن المناسبة؟
القروض المقرّرة في مؤتمر الأرز لا قيمة اقتصادية لها إن لم تندرج في سياق إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة اللبنانية، فالثقة بمؤسسات الدولة نحو مزيد من التراجع من قبل اللبنانيين عموما، والمحاسبة غائبة، وسلطة القضاء مصادَرة لصالح القوة المسيطرة. أما التعويل على القطاع الخاص للاستفادة من القروض فهذا يفترض ان تلتزم الدولة اللبنانية بشرط السيادة، وبقدرتها على منع حزب الله من المغامرة في أنشطة عسكرية وامنية في لبنان وخارجه، والاهمّ من ذلك تغيير صورة لبنان وانتقال البّلاد من منطقة نفوذ للحرس الثوري الى دولة سياديّة مستقلّة وعلى علاقة جيدة مع محيطها العربي ومع العالم.
٣/ مع الأخذ بالاعتبار موضوع الاتفاق النووي الإيراني وأحداث غزّة الأخيرة وبالطّبع الحرب القائمة في سوريا، كيف تتوقع أن تتطوّر الأمور بين لبنان وإسرائيل؟ ربما بطريقة أكثر تصادمية وخطورة؟
الأرجح أن المواجهة بين لبنان وإسرائيل انتهت الى غير رجعة في المدى المنظور، فإسرائيل تدرك أن حزب الله الذي يسيطر على قرار الحرب والسلم في لبنان، ليس في وارد خوض مواجهة مع إسرائيل، لأنّ إيران ذاتها لا تريد مثل هذه المواجهة في ظلّ العداء الذي يستفحل مع محيطها العربي لا سيّما لدى الأكثرية السنّيّة، علماً بأنّ المواجهة مع إسرائيل كانت لدى حزب الله تستهدف نتيجة واحدة وهي السيطرة والنفوذ على لبنان. فيما يشكّل عنوان العداء لإسرائيل وسيلة من أجل تبرير الحروب الداخلية التي خاضها حزب الله في سوريا وفي اليمن، وهو يريد للبنان أن يكون منطقة نفوذ آمنة له ومنصّة انطلاق لعمليّات خارجيّة في أكثر من دولة عربية. في المقابل فإنّ إسرائيل وبعد التجربة تبيّن لها أنّ وجود حزب الله في لبنان وفّر لها امانا على حدودها الشمالية، فيما هي لا تثق بأيّ قوة بديلة قادرة على توفير الأمان الذي وفّره حزب الله. وانا من أصحاب الرأي الذي يقول انّ إسرائيل وإيران يستثمران عنوان العداء بينهما في العالم العربي، فإيران باسم العداء لإسرائيل تحاول اختراق البيئات الشعبيّة العربيّة السّنّيّة وتغطية سيطرتها ونفوذها في بلاد العرب، وإسرائيل التي لا تريد السّلام تستخدم عنوانا آخر وهو العداء لإيران في سبيل اختراق الأبواب المغلقة في وجهها عربيّاً، وبالتّالي فإنّ الطرفين يستفيدان من شعار العداء بينهما لتحقيق اهداف استراتيجية كتحقيق المزيد من الخروقات والحصول على قدر أكبر من النفوذ في المنطقة العربية.
٤/ هل يمكن أن تحدّثنا قليلاً عن العقوبات الأمريكية الجديدة، المباشرة والغير مباشرة، المفروضة على حزب الله وآثارها المفترضة على الوضع السياسي والاقتصادي اللبناني؟
العقوبات الأميركية المفروضة على حزب الله هي من نوع العقوبات المتدرّجة والتي تتطوّر وتتراجع حسب ميزان سيطرة حزب الله على الدولة اللبنانية، فكلّما بدا أن الدّولة اللبنانيّة خاضعة لسيطرة حزب الله وكلّما برزت عقوبات أميركيّة جديدة على حزب الله. هذا ونعتقد أنّ العقوبات الأميركية تساهم في الحدّ من تمدّد سيطرة حزب الله على الاقتصاد وعلى النظام المالي اللبناني وتساهم في منع التماهي الكامل بين الدولة اللبنانية وحزب الله. ويمكن القول انّ اللبنانيّين يدركون أنّ فائض القوّة لدى حزب الله والمتأتي من الدعم العسكري والمالي الإيراني ومن تمدده في الدول العربية، ومن غضّ النظر الدولي عن دوره الإقليمي، لا يمكن لجمه أو تحجيمه بأدوات لبنانية داخلية، بل يتطلب ذلك دورا دوليا فاعلا ومؤثرا. العقوبات الأميركية هي إحدى الوسائل المعتمدة لكنّها ليست كافية إذا لم تترافق مع إجراءات دولية وإقليمية تتمكّن من كسر طموح إيران في السيطرة على لبنان بحجّة بذريعة العداء لإسرائيل مثلاً.
٥/ هل انت قلق إزاء الوضع السياسي والعسكري القائم في منطقتنا وطبيعة تطوّراته المفترضة على المديين القريب والمتوسط؟ هل سنشاهد حروباً ومعارك اخرى أم انّه ما زال باستطاعتنا توقّع بداية استقرار وتوازن قوى؟
الفراغ في المنطقة العربية (العراق، اليمن، سوريا، لبنان، فلسطين) فتح شهيّة دول إقليميّة ودوليّة لملئه، وفي سوريا بات واضحاً أنّ أطرافاً دوليةً على رأسها موسكو وواشنطن هي من تدير الصّراع فيها، فيما أنّ تركيا وإيران وإسرائيل تحاول كل منها فرض دورها في المعادلة السورية في المستقبل. الفوضى تبدو الخيار الأقوى في ظلّ عدم اتّضاح أي صورة واقعية لحل سياسي قابل للاستمرار، الفراغ هذا لا يمكن لهذه الدول أن تملأه طالما بقيت المجتمعات العربية عرضة لتصدّع بناها السّياسيّة والاجتماعيّة، وتحت ضغط الاستثمار الطائفي والمذهبي والاثني. وإذا كان الانهيار الذي شهدته هذه الدول قد افاد بعض الدول الطامحة إلى النفوذ والسيطرة، فإنّ بقاء هذه الفوضى واستمرارها سوف تكون لها تداعيات على هذه الدول نفسها، إذ لا يمكن للفوضى أن تبقى محصورة في الجغرافيا العربية، وهي معرّضة للتّمدّد في أكثر من دولة إقليمية وحتى على المستوى الأوروبي، فقضيّة اللجوء وحدها باتت تشكّل تحدّ حقيقيّ للدّول الأوروبّيّة سياسيّاً وامنيّاً واقتصاديّاً وحتّى ثقافيّاً.
٦/ ختاماً، ماذا تقول حول موضوع مشاركتك بالانتخابات وما تطرّقت إليه تحديداً في جنوب لبنان؟
الاعتداء الذي تعرّضت له عشيّة الانتخابات النّيابيّة في بلدتي شقراء في قضاء بنت جبيل بجنوب لبنان، يمكن تفسيره بالشّكل التّالي: توجيه رسالة للمجتمع بأنّ أيّ اعتراض على سلطة حزب الله من داخل البّيئة الشّيعيّة سيكون مكلفاً جدّاً لأصحابه، والتّأكيد على أنّ النّشاط السّياسيّ او الانتخابيّ في البيئة الشيعيّة هو حكر على حزب الله وحركة امل وايّ نشاط سياسيّ أو انتخابيّ معارض لهذين الطرفين ممنوع، والإصرار كذلك على أنّ القوى الأمنيّة الشّرعيّة والقضاء لا يمكن لهما العمل في مناطق نفوذ حزب الله الا بإشرافه وتحت مظلّته، وهذا تأكيد إذاً بأنّ التّنافس الانتخابيّ او السّياسيّ هو امر يتمّ حصراً خارج البيئة الشيعيّة وأنّ كلّ المّؤسّسات الرّسميّة مُسَخَّرة في سبيل حماية هذه الغاية.
أجرى هذا الحوار روني نعمة، معاون ابحاث في مركز الأداء الاستراتيجي – ستراكتيجيا