علي الأمين: “نتائج الانتخابات النّيابيّة في لبنان لن تغيّر في واقع السّلطة القائم اليوم”

علي الأمين : “نتائج الانتخابات النّيابيّة في لبنان لن تغيّر في واقع السلطة القائم اليوم” 

ينشر موقع ستراكتيجيا اليوم هذا الحوار الخاص بالأوضاع القائمة في لبنان مع الأستاذ علي الأمين، محلل سياسي ورئيس تحرير موقع ‘جنوبية’.

 

١/ بدايةً، ما تعليقك على نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة وما هي توقعاتك إزاء التركيبة النيابية الجديدة؟
أظهرت نتائج الانتخابات النيابية ٢٠١٨ في لبنان على وجه العموم جملة حقائق. قانون الانتخاب الذي اعتمد قرّر الى حدّ كبير حصص كل فريق داخل السلطة، ولم يكن يوم الاقتراع إلا حلقة أخيرة من سلسلة حلقات مقررة للوصول الى هذه النتائج.
موازين السلطة التي تميل لصالح حزب الله وحلفائه ومنذ انتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون قبل عام ونصف، تمّت ترجمتها في الانتخابات النيابية، وساهم قانون الانتخاب الى جانب التحكم بمفاصل السلطة الأمنية، وامتلاك السلاح غير الشرعي من قبل حزب الله، في الوصول الى تحقيق هذه النتيجة، التي دفعت قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني للقول بعد نحو شهر من اعلان النتائج، أن حزب الله فاز ب٧٤ مقعدا نيابياً من أصل ١٢٨، من دون حتى أن يشير ولو مراعاةً إلى ان المقصود حزب الله وحلفاؤه.
أظهرت الانتخابات النيابية الى حدّ بعيد أن التنافس كان قائما داخل الطوائف، بالدرجة الأولى في الدوائر ذات الغالبية المسيحية ثم في الدوائر ذات الغالبية السنية ثم الدرزية، كما أظهرت ان الدوائر ذات الغالبية الشيعية مغلقة على أي تنافس بحيث ظهر أنّ حزب الله وحليفته حركة أمل قادران على تحقيق الفوز الكاسح على أي حالة معارضة. وهذا يحتاج تفسيره الى بحث آخر، يكشف عن الأسباب الموضوعية التي أظهرت الطائفة الشيعية في لبنان بخلاف بقيّة الطوائف وكأنها طائفة مغلقة وخائفة وقلقة وربما مصادرة الإرادة.
لوحظ أنّ نسبة المشاركة في الانتخابات، والّتي قاربت الخمسين في المئة، هي نسبة متدنّية عما كان عليه الحال في انتخابات عام ٢٠٠٩ والتي بلغت آنذاك اثنين وخمسين في المئة في ظلّ نظام اكثريّ، بينما في الانتخابات الأخيرة اعتُمد النظام النسبي وهو نظام يفترض ارتفاع نسبة المقترعين. وهذا إن دلّ على شيء فهو شعور لبناني عام بأنّ نتائج الانتخابات لن تغيّر في واقع الحال، للأسباب التي اشرنا إليها سابقاً، أي طبيعة قانون الانتخابات، والتحكم بمفاصل السلطة من قبل حزب الله، فضلا عن عدم الثقة بإدارة العملية الانتخابية التي تسمح بتزوير منظّم ومحترف للانتخابات ونتائجها.
يمكن القول إنّ نتائج الانتخابات النيابية لن تغيّر في واقع السلطة القائم اليوم، أي أن حزب الله لا يزال وسيبقى يدير العملية السياسية وعملية تقاسم الحصص بين اطراف السلطة، ويعمل على ترسيخ دوره كسلطة وصاية على الدولة اللبنانية كما كان الحال في مرحلة الوصاية السورية على لبنان. يعلم اللبنانيون أنّ قوة حزب الله ونفوذه لا يتأتيان من تمثيله النيابي او السياسي، بل من السلاح الذي يمتلكه والبنية الأمنية والعسكرية التي امتدّت الى كل المناطق اللبنانية والى خارج لبنان. امام هذه الحقيقة ثمة مراهنات لبنانية عميقة على دور خارجي دولي واقليمي على لجم الدور العسكري والأمني لحزب الله لا سيما في سوريا، وإلزامه في الدخول الى الدولة بشروط الدستور والقانون.

 

٢/ ما رأيك في نتائج مؤتمر الأرز الّذي نظّم في باريس، مسألة سلّة القروض مقلاً (١١.٥ مليار دولار)، إلى جانب مليارات أخرى ستذهب إلى القطاع الخاص على مدى السنوات العشر القادمة؟ هل تعتقد أنّ هذا المال سيوظّف في الأماكن المناسبة؟
القروض المقرّرة في مؤتمر الأرز لا قيمة اقتصادية لها إن لم تندرج في سياق إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة اللبنانية، فالثقة بمؤسسات الدولة نحو مزيد من التراجع من قبل اللبنانيين عموما، والمحاسبة غائبة، وسلطة القضاء مصادَرة لصالح القوة المسيطرة. أما التعويل على القطاع الخاص للاستفادة من القروض فهذا يفترض ان تلتزم الدولة اللبنانية بشرط السيادة، وبقدرتها على منع حزب الله من المغامرة في أنشطة عسكرية وامنية في لبنان وخارجه، والاهمّ من ذلك تغيير صورة لبنان وانتقال البّلاد من منطقة نفوذ للحرس الثوري الى دولة سياديّة مستقلّة وعلى علاقة جيدة مع محيطها العربي ومع العالم.

٣/ مع الأخذ بالاعتبار موضوع الاتفاق النووي الإيراني وأحداث غزّة الأخيرة وبالطّبع الحرب القائمة في سوريا، كيف تتوقع أن تتطوّر الأمور بين لبنان وإسرائيل؟ ربما بطريقة أكثر تصادمية وخطورة؟
الأرجح أن المواجهة بين لبنان وإسرائيل انتهت الى غير رجعة في المدى المنظور، فإسرائيل تدرك أن حزب الله الذي يسيطر على قرار الحرب والسلم في لبنان، ليس في وارد خوض مواجهة مع إسرائيل، لأنّ إيران ذاتها لا تريد مثل هذه المواجهة في ظلّ العداء الذي يستفحل مع محيطها العربي لا سيّما لدى الأكثرية السنّيّة، علماً بأنّ المواجهة مع إسرائيل كانت لدى حزب الله تستهدف نتيجة واحدة وهي السيطرة والنفوذ على لبنان. فيما يشكّل عنوان العداء لإسرائيل وسيلة من أجل تبرير الحروب الداخلية التي خاضها حزب الله في سوريا وفي اليمن، وهو يريد للبنان أن يكون منطقة نفوذ آمنة له ومنصّة انطلاق لعمليّات خارجيّة في أكثر من دولة عربية. في المقابل فإنّ إسرائيل وبعد التجربة تبيّن لها أنّ وجود حزب الله في لبنان وفّر لها امانا على حدودها الشمالية، فيما هي لا تثق بأيّ قوة بديلة قادرة على توفير الأمان الذي وفّره حزب الله. وانا من أصحاب الرأي الذي يقول انّ إسرائيل وإيران يستثمران عنوان العداء بينهما في العالم العربي، فإيران باسم العداء لإسرائيل تحاول اختراق البيئات الشعبيّة العربيّة السّنّيّة وتغطية سيطرتها ونفوذها في بلاد العرب، وإسرائيل التي لا تريد السّلام تستخدم عنوانا آخر وهو العداء لإيران في سبيل اختراق الأبواب المغلقة في وجهها عربيّاً، وبالتّالي فإنّ الطرفين يستفيدان من شعار العداء بينهما لتحقيق اهداف استراتيجية كتحقيق المزيد من الخروقات والحصول على قدر أكبر من النفوذ في المنطقة العربية.

٤/ هل يمكن أن تحدّثنا قليلاً عن العقوبات الأمريكية الجديدة، المباشرة والغير مباشرة، المفروضة على حزب الله وآثارها المفترضة على الوضع السياسي والاقتصادي اللبناني؟
العقوبات الأميركية المفروضة على حزب الله هي من نوع العقوبات المتدرّجة والتي تتطوّر وتتراجع حسب ميزان سيطرة حزب الله على الدولة اللبنانية، فكلّما بدا أن الدّولة اللبنانيّة خاضعة لسيطرة حزب الله وكلّما برزت عقوبات أميركيّة جديدة على حزب الله. هذا ونعتقد أنّ العقوبات الأميركية تساهم في الحدّ من تمدّد سيطرة حزب الله على الاقتصاد وعلى النظام المالي اللبناني وتساهم في منع التماهي الكامل بين الدولة اللبنانية وحزب الله. ويمكن القول انّ اللبنانيّين يدركون أنّ فائض القوّة لدى حزب الله والمتأتي من الدعم العسكري والمالي الإيراني ومن تمدده في الدول العربية، ومن غضّ النظر الدولي عن دوره الإقليمي، لا يمكن لجمه أو تحجيمه بأدوات لبنانية داخلية، بل يتطلب ذلك دورا دوليا فاعلا ومؤثرا. العقوبات الأميركية هي إحدى الوسائل المعتمدة لكنّها ليست كافية إذا لم تترافق مع إجراءات دولية وإقليمية تتمكّن من كسر طموح إيران في السيطرة على لبنان بحجّة بذريعة العداء لإسرائيل مثلاً.

٥/ هل انت قلق إزاء الوضع السياسي والعسكري القائم في منطقتنا وطبيعة تطوّراته المفترضة على المديين القريب والمتوسط؟ هل سنشاهد حروباً ومعارك اخرى أم انّه ما زال باستطاعتنا توقّع بداية استقرار وتوازن قوى؟
الفراغ في المنطقة العربية (العراق، اليمن، سوريا، لبنان، فلسطين) فتح شهيّة دول إقليميّة ودوليّة لملئه، وفي سوريا بات واضحاً أنّ أطرافاً دوليةً على رأسها موسكو وواشنطن هي من تدير الصّراع فيها، فيما أنّ تركيا وإيران وإسرائيل تحاول كل منها فرض دورها في المعادلة السورية في المستقبل. الفوضى تبدو الخيار الأقوى في ظلّ عدم اتّضاح أي صورة واقعية لحل سياسي قابل للاستمرار، الفراغ هذا لا يمكن لهذه الدول أن تملأه طالما بقيت المجتمعات العربية عرضة لتصدّع بناها السّياسيّة والاجتماعيّة، وتحت ضغط الاستثمار الطائفي والمذهبي والاثني. وإذا كان الانهيار الذي شهدته هذه الدول قد افاد بعض الدول الطامحة إلى النفوذ والسيطرة، فإنّ بقاء هذه الفوضى واستمرارها سوف تكون لها تداعيات على هذه الدول نفسها، إذ لا يمكن للفوضى أن تبقى محصورة في الجغرافيا العربية، وهي معرّضة للتّمدّد في أكثر من دولة إقليمية وحتى على المستوى الأوروبي، فقضيّة اللجوء وحدها باتت تشكّل تحدّ حقيقيّ للدّول الأوروبّيّة سياسيّاً وامنيّاً واقتصاديّاً وحتّى ثقافيّاً.

٦/ ختاماً، ماذا تقول حول موضوع مشاركتك بالانتخابات وما تطرّقت إليه تحديداً في جنوب لبنان؟
الاعتداء الذي تعرّضت له عشيّة الانتخابات النّيابيّة في بلدتي شقراء في قضاء بنت جبيل بجنوب لبنان، يمكن تفسيره بالشّكل التّالي: توجيه رسالة للمجتمع بأنّ أيّ اعتراض على سلطة حزب الله من داخل البّيئة الشّيعيّة سيكون مكلفاً جدّاً لأصحابه، والتّأكيد على أنّ النّشاط السّياسيّ او الانتخابيّ في البيئة الشيعيّة هو حكر على حزب الله وحركة امل وايّ نشاط سياسيّ أو انتخابيّ معارض لهذين الطرفين ممنوع، والإصرار كذلك على أنّ القوى الأمنيّة الشّرعيّة والقضاء لا يمكن لهما العمل في مناطق نفوذ حزب الله الا بإشرافه وتحت مظلّته، وهذا تأكيد إذاً بأنّ التّنافس الانتخابيّ او السّياسيّ هو امر يتمّ حصراً خارج البيئة الشيعيّة وأنّ كلّ المّؤسّسات الرّسميّة مُسَخَّرة في سبيل حماية هذه الغاية.

 

أجرى هذا الحوار روني نعمة، معاون ابحاث في مركز الأداء الاستراتيجي – ستراكتيجيا

 

ليبيا: النّفط وحروب السّيطرة – محمّد الصّريط

ساهم اكتشاف النفط في ليبيا، في وقت كانت فيه الدولة الليبية الناشئة تحتاج فيه للكثير من القدرات المادية للمساعدة في نهوض الدولة، في دخول البّلاد في طفرة ومعرفتها قفزة نوعيّة ما زالت نتائجها واضحة اليوم.

ففي عام 1958، تمّ اكتشاف 29 مليون برميل احتياطي في إحدى الحقول الليبيّة، وكان ذلك بحدّ ذاته مؤشّراً على وجود ثروة ضخمة من الذهب الأسود في البّلاد، ما قاد آنذاك حكومة رئيس الوزراء مصطفى بن حليم إلى التّخطيط لعدد من المشاريع التنموية القاصدة تحويل ليبيا من دولة فقيرة تعيش على الهبات والمساعدات إلى دولة نفطية لها مستقبل واعد.

لكن “المشاغبات السياسية” التي حدتث في فترة حكم القذافي لليبيا انعكست سلباً على مجال تطوير هذا القطاع، ولعلّ “قضية لوكربي” وسنوات الحظر والمنع الّتي تبعتها وفق قراري مجلس الامن رقم (731 و748)، كان لها الأثر الأكثر سلباً على القطاع النفطي، خاصّة وأنّ ليبيا دولة نفطيّة تعتمد في تطوير تقنيّاتها على الاستجلاب من الخارج. وبسبب تلك الأعمال، والّتي اعترفت ليبيا عام 2003 بمسؤوليّتها إزاءها، تأخّرت صيانة المنشآت النفطية طوال فترة الحظر. ونستطيع أن نفهم هنا كيف أنّ هذه العقوبات، في تلك الحقبة، اثّرت على المشهد التّنمويّ بالكامل حيث أنّ النفط هو مصدر الدّخل الرّئيسي لليبيا.

تطوّرات ما بعد حكم معمّر القذّافي

ومع “الرّبيع العربي” (٢٠١١)، بقي قطاع النّفط موقع اهتمام وتطوّر ملحوظين. وبعد سقوط حكم القذّافي، بدأت بوادر الحرب على النفط تعلو في الأفق، ومن المؤشّرات على مدى الاحتقان الّذي عرفته البّلاد آنذاك الشّعارات الّتي رفعها البّعض مردّداً عبارات مثل “النفط يخرج من تحت اقدامنا ليذهب لطرابلس ونحن فقراء”.

 وظلّ هذا الشعار يتبنّاه الكثيرون من دعاة التيار الفيدرالي، ممّا جعل بعضهم يقدم على غلق الموانئ النفطيّة نظراً إلى خطر اقتحامها من قبل مجموعات مسلّحة، بينما برزت مشاحنات بل وحروب نجد ضمنها تلك الّتي خاضها بين بعضهم البّعض كلّ من الجيش الوطنيّ الليبيّ بقيادة خليفة حفتر، و”حرس المنشآت النفطية” الواقع آنذاك تحت قيادة ابراهيم الجضران، وهو الرّجل الّذي تبنّى التيار الفيدرالي، بينما نصبه بعض من مؤيّديه “والياً على برقه”.

ومن جرّاء هذا الوضع، فقد بدأت طبول الحرب الأهليّة بالدّقّ، حيث كان لمجموعات مسلّحة من الغرب الليبيّ أن تطلق حرب “الشروق”، وهو خلاف اندلع يوم 13-12-2014. حرب الشّروق دعت إليها كتائب عسكرية متواجدة في مدن الغرب (مصراته، زليتن، تاجوراء، طرابلس، جنزور، غريان، الزاوية، الخمس) وكذلك بعض مناطق الجبل الغربي، بحجّة سيطرة مجموعة ابراهيم الجضران على الموانئ ومنعه للبواخر والناقلات النفطية من الدخول لها بذريعة أنّ المؤسسة الوطنية للنّفط التي يسيطر عليها اهل الغرب تبيع النفط بدون عدادات من شأنها أن توضح الكمية المباعة. وقد ذهب الجضران إلى حدّ منع الموظّفين المحلّيّين العاملين بالقطاع النفطي من ممارسة مهامهم، وحينئذٍ فقد تجمّعت قوّات تلك المدن من غرب البلاد في منطقة الوادي الأحمر وسط ليبيا (وهي منطقة متواجدة شرق سرت وغرب بن جواد) ووقعت اشتباكات دامت يومين متتالين قتل فيها عدد من الليبيين من الطّرفين، وتدخّل بعض العقلاء والاعيان لرأب الصدع بينهم إلى أن انسحبت قوّات الشروق والّتي تحوّل فيما بعد جزء كبير منها إلى قوّات ” فجر ليبيا”.

الإخفاق في تحقيق العدالة الاجتماعية

وحول هذا الموضوع، يرى الكاتب الصحافي المتبني للتيار الفيدرالي محمد العقوري أنه، وبعد سيطرة إبراهيم الجضران على الهلال النّفطيّ، فقد اعتقد البّعض أنّ هناك نية وعمل على تحقيق “العدالة الاجتماعية”، وذلك من خلال توزيع إيرادات النفط على المناطق الليبية بالتساوي، غير أنّه سرعان ما تبيّن أنّ ما كان يردّده البعض ما هو إلّا حجّة يستخدمها البّعض بغرض الاستفادة الشخصية والفئوية.

وفي سياق متّصل، يرى الدّكتور حسن الاشلم، وهو عضو بجامعة مصراته، في حديثه عن الصراع السياسي واثره على التنمية والنفط في ليبيا، أنّ الدّولة الريعية لا يمكن ان تحقّق استقرارا سياسيا واجتماعيا إذ سيظل الجدل مستمرّاً بين المركزية السياسية والجانب الاجتماعي المنادي بالعدالة، بمعنى أنّ بعض المكوّنات الاجتماعية ترى انها تعاني الاضطهاد والتهميش بسبب المركزيّة واختزال القرار السياسي والتنموي بمناطق معيّنه، وهذه الحالة المستمرّة من الجدل، إذا لم تتطور إلى صراع وتصادم عسكري، فإنّها ستقود لركود وجمود وهذا ليس في صالح الاستقرار.

 هذا ويعتقد ايضاً الاشلم أنّ ظهور النفط في ليبيا ساهم في سقوط الفيدرالية بأوامر خارجية، فالتّقارير الصّحافية الّتي واكبت فترة إلغاء الفيدرالية في ليبيا تحديداً عام 1963 تفيد بأنّ الشّركات الاجنبية التي تملك حصص ضخمة وكبيرة في الحقول النفطية الليبية هي من طالب بإلغاء الفدراليّة لكي يتسنّى لها سهولة التعامل والتّواصل مع حكومة واحدة مركزيّة بدلاً من ثلاث حكومات (برقة وطرابلس والفزّان)، خاصّة أنّ منابع النفط والحقول النفطية تقع اغلبها وسط ليبيا وهي موزّعة بين الاقاليم الثلاثة. وبالتّالي نبتت بذرة الفساد وترعرعت وتوغّلت عبر المراحل من خلال أداء سلطة سياسية يصفها الدكتور حسن الاشلم بـ”الفاسدة” ويرى أنّها زادت في إضفاء التّهميش والظّلم على الصّعيد الاجتماعي.

السّعي للمصالح الخاصّة

أما الناشط السياسي والمحلّل من مدينة اجدابيا أشرف القطعاني، فهو يرى أنّ ليبيا تتربّع على احد عروش الصراع العالمي وهو النّفط، الذي سرعان ما ينتقل من صراع مصالح الكبار الي بركة من الدماء فيما بين الأخوة الأشقاء. ويعتقد القطعاني أن الليبيّين أوهموا من قبل بعض القوى بأنّ “الطّرف الآخر” – أي أحد خصوم الصراع السياسي في ليبيا – إذا استولى على النّفط فإنه سيحرم خصمه من عائدات الثّروة نفسها. وهنا تروّج تلك القوى – وطبعا ليس علناً – فكرة أنّ شبح التهميش سيكون مصير المهزوم ومن يفقد السيطرة على النّفط. وقد برز الصّراع بين هؤلاء الخصوم في مطلع عام 2014 بشكل اخصّ، أي ايّام اقتحام الموانئ والمنشآت النفطية من قبل ابراهيم الجضران.

ويوضّح القطعاني اسباب وخلفيات الصراع على النفط في ليبيا في عقبة سيطرة التيار الفيدرالي عليه بقيادة ابراهيم الجضران، قائلاً: “قُسّمت ليبيا الي دولتين “شرقية وغربية” يتوسّطهما النهر النفطي، وكانت كل المعارك الطاحنة تدور رحاها هناك… فلا غالب ولا مغلوب فيها”.

الآثار السّلبيّة على التّنمية

ومن بنغازي، تحدّث المدوّن احمد التواتي عن “الصّراع على النّفط والتّنمية ” في ليبيا، قائلاً إنّ الصّراع لم يبدأ بعد كون أنّ القوّة المتحكّمة فيه اساساً تسوّق نفسها لدول الغرب، مدّعية أنّها تحمي المنشآت النفطية وكذلك ما تحويها من نفط – في إشارة منه لقوّات الجيش المعترف به من قبل البرلمان. ويضيف التواتي أنّه إذا تحقّق التوافق فستكون هناك انعكاسات ايجابية على المشهد التنموي، عدا ذلك مؤشر لتحول الصراع السياسي لصراع عسكري طاحن.

ومن ناحيته، يقول البروفسور عطيّة الفيتوري إنّه ونتيجة الانقسامات السياسية للدولة فقد اصبحت المناطق التي لا تتّبع الوفاق بشكل واضح مواردها المادّيّة محدودة، وقد تسبّب هذا في حالة احتقان للبّعض وزيادة معاناتهم من جرّاء عدّة أسباب منها ارتفاع الاسعار ونقص السّيولة النّقدية في المصارف. هذا وقد أصبح الموقف معقّد لدرجة كبيرة بل وقد ينذر بصراع جديد.

اما الدكتور سليمان الشحومي، وهو خبير اقتصاديّ مقيم بدبي، فيرى أنّ مسألة السيطرة لا تقدّم في الأمر شيئا بسبب مسألة مصالح الدّول الكبرى التي لها بصمة واضحة في النفط الليبي، إلى جانب اهمّيّة قرار مجلس الأمن القاضي بسيطرة مركزية للنفط عبر المؤسسة الوطنية بطرابلس والّتي تفصل في أمور كثيرة تتعلق بهذا الشأن.

ويضيف للحديث الباحث وليد افحيمة من طرابلس أنّ التّوافق وانهاء الصراع لهما الأثر الجيد على مشاريع التنمية وتوحيد مؤسسات الدولة تحت قيادة تعترف بها جميع المكونات السياسية والاجتماعية في ليبيا وتعطيها دفعة ايجابية.

ويقول افحيمة إنّ ليبيا، كما يعلم الكثيرون، تعتمد وبنسب كبيرة على النفط إذ انّه محرّك مهمّ لرسم خطط التنمية.

اما المحلّل السّياسيّ محمد إسماعيل، من الخمس، فيعتقد أن الصّراع في الأصل هو بين الشركات الكبرى، أي شركة ايني الايطالية وشركة توتال الفرنسية، فهاتان الشركتان لهنّ نفوذ نفطي في ليبيا وقد يكون هناك صراع خفي بينهما على الاستحواذ.

لكن وفي الوقت نفسه يرى الدكتور محمد أنّ هذه المنفعة الاقتصادية لتلك الدول في حال توافقت فقد يكون ذلك مؤشّراً إيجابيّاً يساهم في إصلاح الخلاف بين الليبيين وحثّهم على التوافق، خاصّة إذا ما لعبت تلك الدّول دور الوسيط النزيه بين الفرقاء الليبيّين، وبالتّالي ستحقّق النّتائج الجيّدة من وراء استثمار علاقتهما مع كل طرف من أطراف النزاع الليبي.

مع هذا العرض للآراء، قد لا يختلف اثنان على أن الأزمة في ليبيا هي أزمة متعلّقة بطبيعة من يحكم ومن يسيطر على الأمور. ولذلك، يصرّ اغلب المهتمّين بالشأن الليبي على اهمّيّة توفير جميع الظروف الملائمة والتي تتجسّد في تحقيق مشروع مصالحة وطني شامل كامل بين كافة الليبيين ينطلق من مبدأ لا غالب ولا مغلوب ويضمن تحقيق العدالة الاجتماعية بين المكوّنات سواء كانت قبائل أو مدن أو حتى كيانات سياسيّة بغاية إنجاح التوافق الحقيقي بين الليبيّين وتمكينهم الاستفادة من ثروتهم ومردوداتها الماليّة والاقتصاديّة والتّنمويّة.

Back To Top