طرابلس، بين مطالب التهدئة وإنذار للحرب

بعد أن تمدّدت قوّات الجيش المعترف به من قبل البرلمان في ليبيا في مناطق عديدة بالجنوب الليبي، يتخيّل البّعض أنّ ما يطلق عليها معركة “حسم طرابلس” اصبحت وشيكة. إلّا أنّ هناك رؤى مخالفة تقول إنّ الاقتحام المفترض للعاصمة طرابلس قد يؤدي لتدهور الاوضاع المعيشيّة والإنسانيّة لما يقارب أكثر من مليوني نسمة من سكان العاصمة. وتبقى التّساؤلات حول ماهية الأمور عديدة حينئذ رغم الظرف القائم والّذي عقدت فيه عدّة اجتماعات خارج ليبيا بين أطراف النزاع المتمثلة في خليفة حفتر وفائز السراج.

آخر هذه الاجتماعات ذلك الّذي أدير في مدينة ابوظبي والّذي تحدّثت عنه الأمم المتّحدة وباركت مخرجاته التي تجسّدت في نقطة محوريّة وهي الاتفاق الّذي قيل إنّه جرى بين فايز السّرّاج وخليفة حفتر بغاية إنهاء المرحلة الانتقالية والذهاب لانتخابات مباشرة إلى جانب مسألة عدم الاحتكام للسلاح في فرض الرؤى. غير أنّ الكثير من المتابعين للشّأن الليبيّ ما زالوا غير مقتنعين بهذه التّطوّرات وما قد تؤول إليه حيث أنّها ترى أنّ توصّل فايز السّرّاج وخليفة حفتر إلى هكذا اتّفاق غير منطقي كون أنّ الطّرفين بعيدين كل البعد فيما يخصّ رؤاهم حول مستقبل ليبيا.

 

ويقول هنا الصّحفي الليبي حمزة احمد، مدير إدارة البرامج بقناة ليبيا الاحرار بتركيا والمقيم حاليّاً في طرابلس، إنّه لا يعتقد أنّه ستحدث اشتباكات بطرابلس في الظّرف الحالي، فهذه “الفرصة” – إذا صحّ التّعبير – كانت مواتية لخليفة حفتر في عام 2016 حيث كان رصيده كبيراً آنذاك في العاصمة، ولكن مشاهد عديدة لمناطق الاقتتال في ليبيا وصلت لطرابلس وجعلت الرّأي العام يغير الكثير من مواقفه تجاه جيش الشّرق.

ويضيف حمزة احمد أنّه لا يمكن تجاهل رغبة وتوجّهات المجتمع الدّولي الذي يدرك أنّ هناك توازن في القوة قد يؤدّي لكارثة في حال وقوع تصادم، ناهيك عن المشاكل الإضافيّة الّتي قد تنتج من جرّاء خلق ظرف جديد تبرز فيه موجات جديدة من المشرّدين والنازعين والمهجّرين إضافة لاحتماليّة وقوع أعمال انتقامية من قبل بعض الأطراف وهو شيء يرفضه المجتمع الدولي.

ومن ناحيته يعتقد الباحث والناشط سليمان الفارسي الاستاذ بمعهد الفكر العربي ببنغازي أنّه لا شكّ انّ الحروب صعبة ونتائجها على المجتمعات كارثيّة، غير أنّ منتقدي الجيش كانوا يهولون دخول درنه وبنغازي بينما الواقع أنّ هاتين المدينتين اللتين تعيشان تحت سيطرة الجيش عاد الأمن والأمان فيهما، فلما رفض امتداد هذا الواقع إلى العاصمة لكي يكتمل حينئذ الفرح الليبي؟

أمّا البرفسور سالم الهويدي، استاذ الراي العام بجامعة الخمس، فهو يقول إنّه “لا يخفى على احد رغبة خليفة حفتر السّيطرة الكاملة على ليبيا وهذا لا يمكنه أن يأتي إلّا بدخوله العاصمة، أمّا كيفيّة الدخول فهي عامل مهمّ له حيث أنّه إذا دخلها منتصراً فسيعني هذا نيّته السّيطرة المطلقة على العاصمة علماً بأنّ وجهة نظر خليفة حفتر تمكث في فكرة أنّ التّوافق يعني الهزيمة.

ويرى ايضاً الهويدي أنّ خليفة حفتر الآن قوّاته جاهزة، لكن ليس لدخول العاصمة بل لمحاصرتها، فقد امتدّ تواجد قوى جيش الشّرق حتّى الحدود الجنوبية كما انّها باتت قريبة من الحدود الليبيّة التّونسيّة وبالتالي فقد اقترب خليفة حفتر من احكام سيطرته على جميع منافذ ليبيا، ولم يبقى له إلّا حسم وضع مطارَي معيتيقه ومصراته، وقد يحاول حفتر إذاً قريباً التّحالف مع ماسكي زمام أمور المنطقتين قريباً.

واخيراً ومن وجهة نظر الباحث والمحلّل فرج بن ناهية، واصله من بني وليد، فإنّ “القوّة التي سوف تكون في مواجهة قوى الشّرق كبيرة وضخمة ويجب مراعاة ذلك”، موضّحاً أنّ قوّات البنيان المرصوص بحدّ ذاتها تشكّل تهديداً خطيراً يجب التّعامل معه بحكمة خاصة نظراً إلى العتاد الّذي بحوزتها والّذي قد يكون رقماً مهمّاً في المعادلة.

 

تقرير من إعداد محمّد الصّريط

عن مصرف ليبيا المركزي وانقساماته… حوار مع المحافظ علي الحبري

حوار مع الاستاذ علي الحبري، محافظ مصرف ليبيا المركزي الموازي بالبيضاء. 

 من ضمن أولوياتنا  دعم الدفع النقدي من خلال الأدوات الأكترونية .

عائق توحيد المصرف هو عائق فردي متمثل في شخص المحافظ .

 الرئاسي والأعلى للدولة هم من يدعم المحافظ في طرابلس.

يرى الكثير من المصرفيون وخبراء الاقتصاد، من خلال متابعتهم ورصدهم للواقع الاقتصادي، أنّ القطاع المصرفي في ليبيا “متدنّي” وذلك نظراً إلى مستوى الخدمات المصرفية في البّلاد مقارنةً مع مصارف باقي دول العالم.

 هذا ويرى البعض أنّ هذا الواقع يعدّ نتيجة لعدّة عوامل لعلّ من اهمّها الانقسام السياسي الذي ألقى بظلاله على المستوى الخدمي والمهني في هذا القطاع والذي تأثر كبقيّة القطاعات في ليبيا من جرّاء الانقسامات الواردة على الصّعيد الوطنيّ، بالإضافة لضعف التشريعات القانونية المتعلّقة بالقطاع المصرفي والتي يصفها البعض بحجر عقبة تقف امام تطوير الخدمات والقطاع المصرفي والبنوك في ليبيا.

وحول هذا الموضوع كان لنا هذا اللقاء مع محافظ مصرف ليبيا المركزي الموازي بالبيضاء الاستاذ علي الحبري، وذلك اثناء حضوره فعاليات « المنتدى السّنوي الثّاني لتطوير القطاع المصرفي في ليبيا » الّذي انعقد بمدينة بنغازي في أواخر شهر ديسمبر 2018.

وإليكم نصّ الحوار.

س/ استاذ علي الحبري، ما هو تقييمكم للمنتدى السّنوي الثّاني لتطوير القطاع المصرفي في ليبيا، ولفعاليّاته واهدافه؟

ج/ هذا الملتقى هو الثّاني المتعلّق بمناقشة سبل تطوير القطاع المصرفيّ بحيث يخرج من الآلية التقليدية الّتي يقوم عليها ويواكب التّطوّرات القائمة في البّلاد. المنتدى الأوّل سبق وعقد بالعاصمة التونسية العام الماضي، وشهد آنذاك حضور متميز للنّخب المصرفيّة في ليبيا ولعدد من الخبراء الأجانب. امّا النّسخة الثّانية من المنتدى فقد رأينا من المناسب أن تُنظّم داخل ليبيا، فوقع الاختيار على مدينة بنغازي، وبالفعل فقد كان الحضور فوق الجيّد وكذلك فيما يخصّ مستوى النّقاشات.

في الملتقى الأول، كنّا قد رأينا حضور شخصيّات اقتصاديّة وسياسيّة وحتى وزراء من حكومة الوفاق، كان من أبرزهم وزير التّخطيط الدّكتور طاهر الجهيمي، وشخصيّات مصرفيّة اكاديميّة ذو الشّأن العالي، وجرى نقاش مطوّل طيلة فترة انعقاد هذا المنتدى وقد كان هذا من ضمن الأسباب الّتي قادتنا لعقد نسخة أخرى داخل ليبيا تسمح لكافّة الليبيّين بمختلف توجهاتهم مناقشة موضوع مهمّ جدّاً بالنّسبة للدّولة الليبيّة وهو موضوع تطوير القطاع المصرفي. 

س/ وما هي المواضيع والمحاور الاساسيّة الّتي يتناولها المنتدى؟

ج/ هناك محورين مهمّين: الأوّل هو دعم الدّفع النقدي من خلال الأدوات الأكترونية كبطاقات الدفع المسبق والخدمات الهاتفية، وهي هنا تتجسّد في اداء شركات وساطة ماليّة تساهم في حلّ ازمة السّيولة من خلال البيع الاكتروني المباشر للمواطن والتوسّط بينه وبين التاجر، وهذا المنتدى يناقش السبل المتطورة بخصوص ذلك.

أمّا المحور الثّاني فهو يتعلّق بدعم المشاريع الصغيرة والمتوسّطة والكبرى من خلال توفير الدعم من قبل المصارف لمقدّمي المشاريع وكذلك تقديم المساعدات المالية وحتى اللوجستيّة والفّنّيّة لهم، وبالتالي فقد بدأت مناقشات فعّالة بالخصوص وهي مثمرة جداً، فمع تباين بعض وجهات النظر تمّ التّوضيح وقد ساهم في الاتّفاق على مخرجات ستكون ملزمة. 

س/ ماذا عن المعوّقات التي تواجه مسألة توحيد مصرف ليبيا المركزي؟

العائق الوحيد هو عائق فرديّ يتمثل في شخص المحافظ، “الصديق الكبير”،  والذي اقيل من قبل البرلمان وتم تعيين شخص آخر بدله وهو “محمّد الشّكري” الّذي يتمتّع بكفاءة عالية، ولو تمّ قبوله لما استمرّ الانقسام، ناهيك عن أنّ الشّكري اصله من المنطقة الغربية.

على العموم، نحن لا نريد الخوض في هذا الأمر لأننا نريد أن نجتاز أمور كثيرة من أجل توحيد المصرف والقطاع بصفة عامة.

س/ ما هي الأسباب إذاً الّتي تقود الصديق الكبير إلى عرقلة جهود التوحيد؟

لا اعلم ماهي الأسباب، إلّا أنّه بحكم تواجده بالمنطقة الغربية وقربه من أحد أطراف الخلاف في الازمة الليبية، يصعّب الأمور عموماً.

أضف إلى ذلك اهمّيّة دور أجسام كالمجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة وحتى مجلس اتّحاد المصارف حيث يفترض أن يكون لهم دور إيجابيّ في إقناع المعرقلين، لأنّ مصلحة الوطن أكبر من أيّ شيء. 

س/ هل هناك دول تدعم طرفاً على حساب الطّرف الأخر في موقفه؟

لا يوجد مثال لأيّ دولة تدعم هكذا منهج، وما يثار حول هذا الموضوع هو عال عن الصحة، الحقيقة هي أنّ الدّعم الحقيقيّ الّذي يتلقّاه المحافظ في طرابلس يأتي من قبل المجلس الرّئاسي والمجلس الأعلى للدولة وهما داعمين اساسيّين للمحافظ. 

س/ ماذا عن اجتماعات تونس؟

اجتماعات تونس التي جرت بين المصرفين لم تتناول جهود التوحيد، بل انّها قامت بتجهيزات وترتيبات تتعلّق بمسألة المكتب الذي سيشرف على مراجعة المصرفين ونفقاتهم. هذا وقد قمنا نحن بدورنا بتشكيل لجنة بالخصوص لإعداد التقارير الماليّة وغيرها من الأمور المهمّة وفق التقارير والمراجعات الدّوليّة وحتّى الأمميّة الّتي بإمكانها أن تشكّل أساساً يساهم في تقريب وتوحيد المصرفين. 

حوار اجراه الصحافي والباحث محمد الصريط

انتخابات مشروع الدستور… بداية لنهاية المرحلة الانتقالية؟ ـ محمّد الصّريط

انتخابات مشروع الدستور… بداية لنهاية المرحلة الانتقالية؟

يعتقد الكثيرون من مراقبي الشّأن الليبي أن أولى نواة الاستقرار في ليبيا ستتمثّل بوضع حدّ للخلافات حول الشرعية القائمة بين مجلس النّوّاب والمجلس الأعلى للدولة، وذلك من خلال تنظيم انتخابات جديدة تلغي جسمين اساسيّين متصارعين.

إلى جانب ذلك، ترد اهمّيّة تحديد الشكل القانوني للدولة وكذلك ضرورة الاتّفاق على شكل التعامل ما بين السلطة التنفيذية والمواطن، من خلال اعتماد عقد سياسيّ اجتماعيّ كامل متنوّع يطلق عليه اسم الدستور.

محاور إيجابيّة…

مسألة مناقشة مسودّة الدّستور وكذلك قانون الدّستور الّذي أعتمده البرلمان مؤخّراً وقدّمه للمفوضيّة العليا للانتخابات والتي بدورها وافقت عليه ليكون جاهزاً للتّصويت قريباً، اثارت الكثير من الجدل، حيث يرى قويدر إبراهيم، البّاحث المهتمّ بالتّشريعات الاقتصاديّة، أنّ نقاط الدستور سليمة من الناحية الشّكليّة وخصوصاً في ظرف اثبتت فيه التّجربة أنّ النظام البرلماني من الصّعب عليه أن يفكّ كلّ المعضلات. هذا ويرى قويدر ابراهيم أنّ الواقع هو أنّ الدّستور المقترح سيفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وهي نقطة مهمّة، يضاف إليها مسألة معرفة كيف للدّستور أن يسعى من خلال نصوص واضحة إلى الحفاظ على قيم الشريعة الاسلامية وهو امر عادل إذا ما قرأناه على ضوء المسائل المتعلّقة بقضايا الحكم المحلي.

هذا ويوافق قويدر، باعتباره رجل متخصص في التشريعات الاقتصادية، على ما نصّت عليه مسودّة الدّستور فيما يخصّ المواد الاقتصادية، حيث يصفها بالجيّدة لأنّها تقرّ الاقتصاد الحرّ وتضمن حقوق المستثمرين وتراعي البعد الدولي.

…ومسائل جدليّة

أمّا الإعلامي احمد المقصبي، مدير تحرير راديو المتوسط بالقاهرة، والّذي عمل بالقرب من لجنة صياغة وإعداد الدستور، فهو يعتبر أنّه “إلى الآن، وحسب ما يطرح في وسائل الاعلام المختلفة، فلا وجود لأيّ نوع من التّوافق على مسودة الدستور الليبي، خصوصاً في ظرف يتجاهل فيه هذا المشروع مطالب التّيّار الفيديرالي”.

هذا ويتابع المقصبي، معلّقاً على مسألة النّظام السياسي المقترح في المسودة، قائلاً إنّ “النّظام السّياسيّ الّذي كان سائداً في عهد الملكيّة في خمسينيّات القرن الماضي، إضافةً الى عائق مقاطعة مكوّنات التبو والامازيغ لأعمال هيئة صياغة مشروع الدستور بسبب عدم استجابة الاخيرة لمطالبهم، يصرّ على أنّ هناك خلل في هذا الجانب”.

وفي سياق متّصل، يقول أنيس الجالي، وهو قانونيّ وعضو مؤسس لحراك “لا لتمديد المؤتمر الوطني العام”، منتقداً المسودّة، إنّها ” تناولت مواد كان يفترض عليها ألّا تتناولها كونها من الحتميّات، والمقصود هنا مسألة الهويّة الليبيّة العربيّة الاصيلة الّتي يفترض عليها ألّا تكون محلّ نقاش، مثلها مثل مسألة الدّين الاسلامي المعتدل”.

هذا وينتقد الجالي ايضاً قضيّة الاعتماد الفيديرالي الغير معلن، حيث يعتبر أنّ “وحدة التّراب الليبيّ يجب عليها ألّا تكون محلّ نقاش وطرح”، رافضاً أيّ شكل من أشكال التقسيم وذلك تحت ايّ حجّة.

كما يضيف الجالي في انتقاده لمسودّة الدّستور انّها حسب ما يرى لم تنصّ على استقلاليّة الجيش الليبي المعترف به من قبل البرلمان.

بوادر لتعميق الخلاف؟

غير أنّ صلاح البكّوش، وهو محلّل سياسيّ، يرى أن البرلمان، باعتماده قانون الاستفتاء على الدستور واستحداث معيار التعليل – أي أن يصوّت المواطن بـ”نعم” ويوضّح لماذا قال نعم أو بـ “لا” ويوضح لماذا قال “لا” -، لعلّه اعتمد هنا إجراءً عبثيّاً قد يساهم في تعميق الخلافات في ليبيا.

غير أنّه، وفي نهاية المطاف، فالجدل ليس بالحجم والشكل الضّخم جدّاً، فالرّأي العام الليبيّ، حسب ما استنتجه مركز الأداء الاستراتيجي بعد طرحه أسئلة محدّدة لعينة عشوائية من ممثّلي المجتمع المدنيّ، يرغب في التصويت والموافقة على مسودّة الدّستور كونها تمثّل خطوة محوريّة في سبيل إتمام المرحلة الانتقالية والدخول في مرحلة الاستقرار.

محمّد الصّريط

باليرمو: الآمال والتّطلّعات المنشودة – محمّد الصّريط

باليرمو: الآمال والتّطلّعات المنشودة

“حسم الجدل الذي صاحب إنعقاد مؤتمر باليرمو بايطاليا والّذي يناقش آخر مستجدّات الازمة الليبيّة من خلال إيجاد آلية للمساهمة في حلّها بتراضي جميع الاطراف وتذليل كافة المعوّقات”… هذه كانت شعارات المروّجين للمؤتمر بينما كان الرافضون ومن خلال وسائل الإعلام الّتي تتبنّى وجهات نظرهم قد حكموا عليه بالفشل وذلك لأسباب عديدة نحاول في هذا التقرير تسليط الضّوء عليها سواء كان من خلال عرض جميع الآراء المتباينة أو عبر متابعة فعاليات مؤتمر باليرمو من الكواليس.

دار جدل كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي وحتّى قنوات التلفزيون الليبية لعلّ من ابرزها قناة الحدث المحسوبة على تيّار تفويض خليفة حفتر، وأيضاً قناة النّبأ المحسوبة على التيار الاسلاميّ السياسيّ وتحديداً “المقاتلة”، وقناة ليبيا الأحرار المحسوبة على جماعة الاخوان المسلمين، وقنوات الوطن وليبيا 24 المحسوبتين بدورهما على مجموعة النظام السابق، وبانورما ليبيا المحسوبه على تيار الثورة… حيث دار جدل كبير عبر هذه القنوات ووسائل الإعلام وتباينت وجهات النظر بين مؤيّد ومشكّك ومخوّن ومحبط للمؤتمر وبدأ الجدل من حيث الترويج لعدم حضور خليفة حفتر المؤتمر، ووصفه بؤتمر “الخيانة” لكونه انعقد بإيطاليا، المستعمر القديم لليبيا. وحتّى في اللحظات الأخيرة روّج مكتب القيادة العامة للجيش المعترف به من قبل البرلمان فكرة أن حفتر لن يحضر المؤتمر وذلك عبر صفحته الفيسبوك، وقد ساهم ذلك بشكل كبير في إثارة ردّة فعل أنصار ما يعرف “بالتّفويض” والّذين ساهموا في التأثير على الرأي العام – خاصّة في شرق ليبيا – من خلال التّشكيك في جدوى المؤتمر باعتباره وصاية جاء من مستعمر على حسب قولهم. أمّا أنصار البرلمان والمجلس الأعلى للدّولة فالبّعض منهم يرى أنّ نجاح أي لقاء توافقيّ قد يهدّد مصالحهم ولذلك فقد قاموا بدورهم بترويج فكرة أنّهم متّفقين على جميع الملفّات الشائكة ومنها اعادة هيكلة الرئاسي من جديد وهي نقطة خلاف استمرّت لسنتين.

وكلّ هذا الجدل وغيره كان يثيره الإعلام الليبي بقنواته ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير جداً، ولتوضيح الرؤى ووجهات النّظر أكثر فقد اجرينا عدداً من اللقاءات مع بعض الشّخصيّات السياسيّة والاكاديميّة وحتّى بعض المسؤولين فكانت هذه الحصيلة.

دور الدّول الاقليميّة السّلبيّ

يرى الاستاذ اسماعيل المسماري وهو عضو بلجنة الحوار التابعة للبرلمان في تعليق خصّ به مركز الأداء الأستراتيجي (ستراكتيجيا) “أنّ البرلمان ومن خلال الطرح الذي قدّمه والّذي وافق عليه المجلس الأعلى للدولة والّذي يقضي بإعادة هيكلة الرئاسي، يصبّ في منحى جلب الحلول الّتي تساهم في إنهاء خلافات كثيرة”، نافياً في الوقت نفسه الكلام القاضي بتجميد المجلس الأعلى للدّولة لهذا الطّرح نسبةً للخلافات القائمة في البرلمان. هذا ويرى الاستاذ اسماعيل المسماري أنّ بعض الدّول – ويقصد هنا تركيّا وقطر – ساهمت في تعميق الخلاف.

بينما يقول الباحث جبريل الرمحي المقيم في القاهرة إنّه “عند وصول خليفة حفتر قائد الجيش بالشرق لإيطاليا، طلب الرّئيس المصري عبد الفتاح السيسي عقد اجتماع ثلاثيّ خاص يجمعه بخليفة حفتر وبفائز السراج للتوقيع على “مسودة مصر””، وهي مسودّة اعدّت مسبقاً لتمكين خليفة حفتر من توحيد الجيش. إلّا أنّ السّرّاج رفض، معتبراً ذلك تدخّلاً من خلال ما يقال إنّه اسماها “لغة الفّرض والتدخّل المصري” بهدف الضغط عليه استعانة بالجانب الروسي.

هذا ويقول الرمحي إنّ الجانب التّركيّ، الذي غادر المؤتمر مبكّراً بعد أن ادان محاولات ما اسماها بـ”الضغط”، علّق على المؤتمر قائلاً إنّ دور ايطاليا كان يجب أن يقتصر على اجتماع الفرقاء والبحث عن الحلول لا الضغط والفرض. كما يضيف الرّمحي أنّ “الحكومة والدبلوماسية الايطالية حاولتا إرجاع الوفد التركيّ بعد الاعتذار إلّا أنّ تلك الجهود في إبقاء الأتراك فشلت”.

ويوضح الرمحي أنّ الصراع في ليبيا لا يمكن حلّه نهائيا إلّا بحلّ الخلافات القائمة بين الدّول الاقليميّة وبمعالجة الممارسات الّتي تقوم بها بعض الدول وهي ممارسات تزيد من عمر الازمة ولاخلاف.

عقيلة صالح – خالد المشري: خصومات علنيّة؟

أمّا الدكتور احميدة الهاشمي وهو المستشار السياسي السابق لخليفة حفتر فهو يختلف مع ما قاله جبريل الرمحي، حيث يرى أنّه “ليس لـ”قائد الجيش” ايّ دور في الخلاف الليبي بين البرلمان وخصومه في الغرب إذ أنّ ما يهمه هو الجيش وتطويره فقط لا غير كونه رجل عسكري وهذا مجال عمله”.

كما ينفي احميدة الهاشمي صحّة ما قاله جبريل الرمحي بخصوص ما يُزعم أنّه اتفاق خفيّ أقيم بين الرئيس المصري وخليفة حفتر بالتنسيق غير المعلن مع ايطاليا، ويضيف من ناحية أخرى أنّ خطوات توحيد الجيش تسير بخطىً جيّدة من وجهة نظره مضيفاً أنّه قريبا سيسمع المهتمّين بالشّأن الليبي خبر التوحيد.

وفي سياق متّصل، يقول خالد الترهوني استاذ العلاقات الدولية بجامعة طبرق أنّ نتائج باليرمو ستكون مخيّبة لآمال الليبيّين في حال ثبت فشل المؤتمر، موضّحاً أنّ جميع الاطراف السياسيّة تدرك أنّ إبعادهم عن المشهد سيكون من خلال إتّفاق حقيقيّ وهم يستغلّون الخلاف بقصد استمرارهم في التّواجد. كما يرى التّرهوني أنّ عقيلة صالح وخالد المشري يجرون اتّصالات سرّيّة لتقريب وجهات نظرهم ولكنّهم في العلن يُظهرون خلاف ذلك كون انصارهم لهم وجهات نظر تختلف ورؤى المشري وعقيلة.

فكرة عقد مؤتمر جام

وفيما يخصّ فحوى المؤتمر يرى خالد التّرهوني وجوب التّذكير بأنّه لم يكن هناك نقاشاً حول اتّفاق جديد بل نوقش الوضع الراهن في ليبيا سواء كان في العاصمة من خلال الترتيبات الامنية أو فيما يتعلّق بمسألة الاصلاحات الاقتصاديّة أو فكرة تحديد موعد للانتخابات لإنهاء هذه المرحلة أو حتّى مسألة الدّخول في مرحلة جديدة من خلال تنظيم مؤتمر ليبي جامع كبير.

ويضيف الترهوني أن أطراف النزاع سواء البرلمان أو المجلس الاعلى أو الرئاسي أو خليفة حفتر قد أُريد منهم الحضور الشّكلي فقط، فبعثة الأمم المتحدة الممثّلة بغسّان سلامة رسمت خارطة طريق جديدة منبثقة عن اتّفاق الصخيرات مضمونها الدّعوة لمؤتمر كبير جامع لجميع الاطراف دون استثناء بقصد التّوافق على عقد انتخابات رئاسية وتشريعة تساهم في حلّ الوضع القائم في ليبيا.

أمّا في نهاية المؤتمر فقد أصدر المشاركون نقاط تفاهم تجمعهم يرون من خلالها أنّه من الضّروريّ إنجاز الإطار الدستوري وحمل العمليّة الانتخابيّة وذلك بعد أن حدّدوا شهر الثّاني من عام 2019 القادم موعداً لانطلاق إجراءات الانتخابات في ليبيا.

وحول الجهود المصريّة المبذولة لتوحيد المؤسسة العسكرية، فقد أعرب المشاركون عن دعم الحوار بقيادة مصر في بناء مؤسسات عسكرية موحّدة تتمتّع بالمهنيّة والمساءلة تحت السلطة المدنية. هذا وقد اكّد غسان سلامة المبعوث الاممي لليبيا من ناحيته التزام قائد الجيش بالشرق الليبي بمبادئ نتائج المؤتمر وبخطّة الأمم المتحدة الخاصّة به.

التّقرير من إعداد الصّحفي والبّاحث محمّد الصّريط

ليبيا: عن الصّراع على النّفوذ ودور القيادات العسكريّة

ليبيا: عن الصّراع على النّفوذ ودور القيادات العسكريّة 

في منتصف عام 2014، في الشق الشرقي لليبيا، أطلقت مجموعة من الضبّاط والعسكريين عمليّة في شرق البلاد وتحديداً ببنغازي، وقد صادفت خطوتهم هذه رفعهم شعار “محاربة الارهاب” في ظرف كانت المدينة وسكّانها يعيشون فيه على وطأة انفلات أمنيّ غير مسبوق، ممّا اتى لضبّاط الجيش بحجّة لمواجهة هذا الانفلات.

إلّا أنّ عدداً من الضّبّاط رفض هذا التصرف كونه منبثق عن مجموعة مكوّنة في الغالب من كبار في العمر أو من أناس كانوا قد مكثوا خارج ليبيا لفترة طويلة. ولعلّ من أبرز هؤلاء الاشخاص “خليفة حفتر” الذي كان على رأس أولئك الضباط الّذين لم يمتثلوا بالجهات الشرعية – أي المؤتمر الوطني العام – في ذلك الوقت كونهم كانوا يعتبرونه سبباً في تفاقم وتدهور الوضع الامنيّ في البلاد. ومن ثمّ فقد وجب عليهم الخروج بهذه الطريقة ومن هنا بدأ الصّراع السّياسيّ والعسكريّ في ليبيا وتحديداً في شرق البلاد، قوّات خليفة حفتر الّتي كان يطلق عليها اسم “عملية الكرامة” دخلت في معركة مع القوّات المواجهة لها وهي مجموعات مسلّحة مموّلة من قبل بعض اعضاء المؤتمر الوطني العام الذين ساعدوا على تزويدها ايضاً آنذاك بالسّلاح الآتي عبر جرّافات.

واستطاع خليفة حفتر أن ينتزع اعتراف البرلمان به وذلك بعد أشهر من تأسيس عمليّة الكرامة، وسمحت له هذه الشّرعية بالانتقال من مسمّى عملية الكرامة إلى “الجيش”، وانضوت حينئذٍ للجيش الجديد مجموعات من الضباط الكبار والمعروفين منهم من كان ضمن قيادات عسكريّة في النظام السابق، ومن هنا نذكر أبرز مراحل تأسيس الجيش الليبي. 

اهمّ مراحل تأسيس الجيش الليبيّ

بدأ تأسيس الجيش الليبي في ال٩ من شهر أغسطس عام 1940 بمنطقة ابورواش بالإسكندرية، وذلك قبل استقلال ليبيا. وبعد الاستقلال وتحديداً عام 1951، بدأت الحكومة الليبية في تفعيل الجيش المكوّن آنذاك من كتائب صغيرة. في عام 1963 أنشئ السلاح الجوّىّ، وفي عام 1968 أسّست وحدة الدفاع الجوّيّ لتشكّل السلاح الجوّيّ بجميع أجهزته ودفاعاته ونظمه. وقد بلغ عدد افراد الجيش الليبي إبّان حكم الملك ادريس ما يقارب ال650 ضابط وال10 ألاف جندي.

وفي مطلع سبتمبر من عام 1969، سيطر الملازم معمر القذافي، البالغ من العمر 26 عاماً آنذاك، على البلاد من خلال انقلاب عام 1969 والّذي تمكّن من خلاله التّحكّم الكامل بليبيا بفضل تعاونه مع ضبّاط من الجنوب والشرق والغرب كانوا قد دروا مع بعضهم البعض في ثكنات مدينة سبها وبنغازي ومصراته.

ومن ثمّ استخدم معمّر القذّافي الجيش لدعم انقلابه في المراحل الاولى من حكمه بعدما عطّل الدستور والأجهزة ألأمنية واستحدث ما عرف وقتها         بـ” الحرس الجمهوري” الّذي فرض حظراً للتّجوال استمرّ ثلاث سنوات – أي لغاية مطلع عام 1973 – ونال بشكل اخصّ المدن الكبيرة.

وفي شهر مارس 1977، أطلق القذافي ما عرف بنظرية “العالميّة الثالثة” والتي تضمّنت العديد من الرؤى منها أنّ الشّعب مسلّح أو أنّ الجيوش النظامية تقوّض الحرية والديمقراطية، ومن هنا برزت عدة كتائب امنيّة مدنيّة مسلّحة تعاد بمثابة مليشيات مؤدلجة فكريّاً اصبحت تقصي وتصفّي كلّ من له رأي يخالف فكر “القائد”، لعلّ أبرزها اللجان الثورية وحركة التطهير وحركة البركان. 

تحوّلات ما بعد حرب التشاد

وفي عام 1987، بعد انتهاء حرب تشاد وهزيمة الجيش الليبي بسبب ما قيل إنّها كانت اخطاء تكتيكيّة من قبله، قام القذّافي بوضع الجيش موضع المستهدف ومراقبة جميع الضبّاط الكبار وتقييد تحركاتهم.

امّا حركة الانقلاب الفاشلة عام 1992 الّتي قادتها مجموعة من ضباط “ورفلّة” بني وليد فقد ساهمت في تقليص دور الجيش بشكل كبير جدّاً حيث سمح لأول مرّة معمّر القذّافي للضبّاط الكبار أو حتّى الصّغار أن يتقاعدوا بعد أن اعتبر ذلك ولوقت طويل من المحرّمات.

والعقوبات الدّوليّة الّتي فرضت على ليبيا على خلفيّة قضيّة لوكربي وتفجيرات بار برلين كان للجيش نصيب كبير فيها، حيث حدّت من قدرة الجيش على التّسلّح أو تزويده بالتقنيّات، واستمرّ هذا الحال حتى عام 2011 حين انهارت هذه الكتائب الامنيّة الّتي كانت تعمل على حماية القذافي بالدرجة الأولى وتفتّتت وتجمّعت على شكل مليشيات منها من يؤمّن العاصمة ومنها من يقرّر الرّجوع للثّكنات ببنغازي وبالشّرق عموماً.

 وباختصار فإنّ دور الجيش في الاحداث السياسية في ليبيا في هذه المرحلة التّاريخيّة يعدّ محوريّاً كون انّ بعض قادته ما زالوا يعدّون الرّقم المهم في المعادلة السّياسيّة والاستقرار في ليبيا، ولعلّ هذا ما يدركه البعض على الرّغم من تعدّد مراكز القوى الحاليّ وتعدّد الطامحين في السلطة والذين يتلقّون دعماً اقليميّاً ودوليّاً يساهم بشكل كبير جدّاً في استمرار الازمة في ليبيا. 

محمد الصريط – صحافي وباحث بمركز الأداء الاستراتيجي

Back To Top